صفحة 1 من 1

لماذا يرحـل العـظمـاء فـي صمـت !!

مرسل: 14 يوليو 2009, 9:05 pm
بواسطة الزهراء
منذ أيامقليلةاحتفل الشعب الجزائري بمرور 47 سنة على الاستقلال الموافق للخامس من شهر جويلية 1962 و كم وددت لو كنت في رحاب أكاديميتنا حتى أهنئ الشعب الجزائري بهذه المناسبة الغالية و لكنني قررت أن أتدارك الأمر بمحاولة كتابتي هذا الموضوع ، والملاحظة التي أود أن أنوه إليها هي أن الاستقلال الجزائري لم يكن في الخامس من شهر جويلية إنما كان في الثالث من نفس الشهر بعد إجراء استفتاء شعبي حول خروج فرنسا أو بقائها لتأتي النتائج كما كان متوقعا تدعو كلها إلى طرد المستعمر ، و لكن أعضاء الجبهة اختاروا هذا اليوم عمدا ليس تيمننا بالرقم 5 كما شاع عن العرب و المسلمين إنما هي محاولة لمحو ذكرى سقوط العاصمة و إمضاء الداي حسين لمعاهدة الاستسلام الموافقة 5 جويلية 1830ليرحل عنها دون عودة و يقال أنه أخذ معه ما خف وزنه و غلا ثمنه .
و لأن الاستقلال لا يأتي من العدم إنما هو ثمرة لتضحيات و كفاحات من امنوا بالقضية و عزموا على الظفر و الانتصار فتحية مملوءة بالحب و الشكروالعرفان لمن رحلوا في ربيع العمر مقدمين حرية لم ينعموا بها و للصناديد ، المجاهدون ذاكرة الوطن و سجله الذهبي .
و لأن عددهم كبير و تاريخهم أكبر فقد اخترت واحدة من نساء الجزائر اللاتي حملن على عاتقهن حما الوطن و قررن مشاركة الرجال لتكتب أسماؤهن بحروف ذهبية ، سرت أخاف أن تكون اليوم مكتوبة بحبر سري أو غير مرئي.
و لذلك فقد اخترت تلك الرائعة ، الأسطورة التي اختيرت من بين أبرز خمس شخصيات طبعت القرن الماضي جميلة بوحيرد ومن منا لم يعرفها أو لم يسمع عنها.
هي تلك الفتاة الطموحة ، الواعية و المتشبعة بالأفكار الوطنية سفيرة القضية الجزائرية التي أوصلت صداها إلى العالم بأسره .
ولدت جميلة في التاسع جوان 1935 بالقصبة "العاصمة الجزائرية" و هي الفتاة الوحيدة بين ستة أشقاء و ربما هذا ما جعل بداخلها إحساس بالاندفاع و خوض غمار الصعاب ، تعلمت في مدرسة " الأنديجين" إلى أن دخلت بمعهد الخياطة.
و لطالما كانت تحس بأنها ليست في المكان المناسب حيث كانت لها تطلعات ، لاحظ ذلك عمها "مصطفى بوحيرد" الذي شجعها على الانضمام للثورة و هي في العشرينات من عمرها –فماذا تفعل فتيات العشرينات في زمننا هذا-فعملت جميلة في بداية الأمر كأمينة سر للشهيد المغتال من طرف قادة الثورة "عبان رمضان" ثم فدائية في مجموعة "يلسف سعدي" و كانت من أوائل من وضع القنابل و هي المجموعة التي عرفت بـ" متطوعات الموت" ، و لأنها ذكية و شجاعة و مقدمة فقد أصبحت الذراع الأيمن لـ"ياسف سعدي" ثم سكريترته الخاصة و قد واصلت عملها الدءوب إلى أن تم القبض عليها بشارع "سفينيكس، بتاريخ 9 أفريل 1957 ، أين أصيبت برصاصة في كتفها لتبدأ رحلة عذابها و البوابة التي ستُفتح على العالم بعد أن كانت موصدة .
فها هي مضمدة على طاولة العلاج يتم استجوابها من طرف المظليين و قد تم تسليط أشد أنواع التعذيب ابتداء من 9 أفريل إلى غاية 26 منه ، رفضت فيها الإقرار عن مكان ياسف سعدي و علي لابوانت رغم أن الاتفاق بين المجاهدين أن يتم الصمود لمدة 24 ساعة حتى تتم التغييرات و التعديلات لكنها صمدت دون أن تنطق بحرف واحد فتعرضت لأحقر أشكال التعذيب و لا داعي لسردها عليكم نظرا لفظاعتها أكتفي بالقول أنهم وضعوا سكينا حادا في مكان الجرح ....
و أثناء المحاكمة أصدرت جميلة الحكم قبل أن ينطق به القاضي قائلة: "أعلم أنكم ستحكمون عليا بالإعدام و لكن لا تنسوا أنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم ، لكنكم لن تمنعوا الجزائر من أن تكون حرة مستقلة بإذن الله"
هي كلمات لا أعلم إن قالتها بعفوية أو أنها قد خططت لها فقد هزت العالم و الرأي العام الفرنسي-العربي-و العالمي ، فبعد إصدار حكم الإعدام في 15 جويلية 1957 ضحكت جميلة و صاح القاضي: الأمر خطير .
و لأن الله أراد أن تكون جميلة القضية التي تفجر العالم فقد بعث لها بمحاميها الفرنسي "جاك فرجاس" الذي لم يستسلم لهذا الحكم و نقل إلى العالم قضيتها فأصبحت جميلة رمزا لنضال المرأة الجزائرية بل و كفاح الشعب ككل.
و قد ظلت جميلة في سجن بربروس ، قوية و صامدة ، تنتظر تنفيذ الحكم و للعلم فإن نافذة جميلة كانت تطل على المشنقة و كان هذا الاختيار عمدا لزعزعتها و لكن دون فائدة .
و بذلك أصبحت قضية جميلة هي الحجة التي أكسبت الجزائر تأييد العالم فنظمت المظاهرات و الملتقيات التي تحمل اسم جميلة و كانت تطالب كلها بحريتها حتى فرنسا انقسمت و أمام كل هذه الضغوط أصدرت فرنسا مجبرة قرار العفو في مارس 1958 ليشمل 5 جزائريات و ترحّل جميلة إلى سجون فرنسا و يطلق سراحها بعد الاستقلال 1962، و بمجرد خروجها أسست جمعية الجيل الجديد التي تكفلت بأبناء الشهداء.
و لأنها مختلفة و غير عادية فقد رفضت أن تخلط بين الأوراق، أوراق الثورة و أوراق السياسة فرفضت المنحة المقدمة للمجاهدين و رفضت عدة مناصب عرضت عليها و ظلت بعيدة عن مغريات الحكم حتى لا تشوه تاريخها الحافل .
تزوجت جميلة من محاميها الفرنسي الذي أشهر إسلامه و أصبح يعرف بـ"منصور" و أنجبت معه مريم و الياس وهي تعيش في الجزائر منفصلة عن زوجها و لكنها بالجزائر و ليس كما أشيع عنها أنها رحلت أو هجرتها.
و سؤالي لجميلة : لماذا الصمت ؟ نريد أن نسمع منك التاريخ فما أكثر ما شوهوه ، كنا نود لو نسمعك و لكنك فضلت الصمت و ربما هو صمت حكيم أم أنه احتجاج بطريقة خاصة .
يرحل العظماء و يغيبون وسط التجاهل ، و أظن أن الجزائر هي من هجرتك أيتها الجميلة ، لأنك في نظري تلك الفتاة الصامدة القوية فأنا لا أعرفك سوى هكذا.........

Re: لماذا يرحـل العـظمـاء فـي صمـت !!

مرسل: 15 يوليو 2009, 2:00 am
بواسطة Ghadat2009
مقال رائع ...رائع يا سلمى ! happy11

لا أخفي عليك فقد قلقت بعض الشيء من العنوان الذي بدا و كأنه اعتراض - لا سمح الله - على موت أحد العظماء ..في صمت من حوله أو في هدوء !

لكنّك قد تناولت بشكل مؤثر حكاية نضال المناضلة الرائعة جميلة بو حريد ...و قد شاهدت الفيلم الذي يحكي بطولتها و صدمت بفظائع التعذيب الذي تعرضت له و صمدت ... تأثرت كثيرا بالقصة و بالصمود المبهر من جانبها و هي ابنة العشرين ..
و هي السن التي تتساءلين عنها في بنات اليوم بلوم و عتاب واضح ..و معك حق في هذا ...فهي نموذج خاص جدا ..بل نادر جدا

و كنت أظنها قد رحلت ..أعني استشهدت ... فأنا لا أذكر نهاية الفيلم ....لكني تعجبت كثيرا فعلا لكونها لا زالت على قيد الحياة ...و أجد من المنطقي أن تستمر في صمتها فما فعلته لم يكن أبدا إلا فداءا لبلادها ...و الصمت هو من بلادها نفسها ..

أشكرك على هذه المتعة التاريخية بأسلوبك الجذاب ...و أنتظر جديدك دوما :)

تحياتي لكِ flower1 flower1 flower1

Re: لماذا يرحـل العـظمـاء فـي صمـت !!

مرسل: 15 يوليو 2009, 7:20 pm
بواسطة الزهراء
Ghadat2009 كتب:مقال رائع ...رائع يا سلمى ! happy11

لا أخفي عليك فقد قلقت بعض الشيء من العنوان الذي بدا و كأنه اعتراض - لا سمح الله - على موت أحد العظماء ..في صمت من حوله أو في هدوء !

لكنّك قد تناولت بشكل مؤثر حكاية نضال المناضلة الرائعة جميلة بو حريد ...و قد شاهدت الفيلم الذي يحكي بطولتها و صدمت بفظائع التعذيب الذي تعرضت له و صمدت ... تأثرت كثيرا بالقصة و بالصمود المبهر من جانبها و هي ابنة العشرين ..
و هي السن التي تتساءلين عنها في بنات اليوم بلوم و عتاب واضح ..و معك حق في هذا ...فهي نموذج خاص جدا ..بل نادر جدا

و كنت أظنها قد رحلت ..أعني استشهدت ... فأنا لا أذكر نهاية الفيلم ....لكني تعجبت كثيرا فعلا لكونها لا زالت على قيد الحياة ...و أجد من المنطقي أن تستمر في صمتها فما فعلته لم يكن أبدا إلا فداءا لبلادها ...و الصمت هو من بلادها نفسها ..

أشكرك على هذه المتعة التاريخية بأسلوبك الجذاب ...و أنتظر جديدك دوما :)

تحياتي لكِ flower1 flower1 flower1


مساء الخيرات يا غادة

أولا أشكرك على كلماتك الرقيقة التي وصفتي بها الموضوع فقد سررت بها و لطالما أحببتُ أن أسمع ارائك التي أعتبرها مهمة و مفيدة .
بالنسبة للموضوع فكم يحزنني أن تكون هذه المرأة تعيش وسط التجاهل و التغييب و هي التي قدمت كل ما تستطيع من أجل هذا الوطن و لكنها تعيش في صمت بعيدا عن الأضواء حتى أن الكثيرين لا يعرفون إن كانت شهيدة أو مجاهدة ، ماتت أم مازالت على قيد الحياة و هذا لأنها اختارت أن تحافظ على تاريخها و بطولاتها بعيدا عن أي مراهنات أو حسابات خاسرة .
و قد كان تناول يوسف شاهين لقصة جميلة من بين العوامل التي روجت للقضية الجزائرية و بينت أساليب التعذيب و فضحت سياسة فرنسا المتبعة .
المهم هي مرأة لها تاريخها رفضت المساومة عليه ، أما من رضي المساومة على تاريخه فقد كان أكبر الخاسرين
أشكركِ أختي الغالية و تمنياتي لكِ بالتميز الدائم flower1 flower1 flower1

Re: لماذا يرحـل العـظمـاء فـي صمـت !!

مرسل: 16 يوليو 2009, 4:20 am
بواسطة السيد فهيم
الزميلة المبدعة سلمي ... جميل جدا اعتزازك الدائم بوطنك و ذكرك الدؤوب لأمجاده و محاولتك الملحة في تدوين صفحات مضيئة من تاريخه المجيد بصبر واصرار تحسدين عليه ... بل دوما تضيفين الجديد من معين لا ينضب ولا يشح عطاؤه ... احييك علي أعمالك المبهرة والشيقة ... رقيقة الأسلوب وبليغة العبارة ... و اضحة الفكرة .... و أخيرا ، اجابة علي سؤال العنوان .. لماذا يرحل العظماء في صمت؟!.... بكل بساطة ... لأنهم عظماء.
السيد فهيم

Re: لماذا يرحـل العـظمـاء فـي صمـت !!

مرسل: 17 يوليو 2009, 4:14 pm
بواسطة محمد محمود
رائع حقا ً مقالك يا سلمى
فهو خليط بين المشاعر الوطنية الفياضة وبين الواقعية في سرد أحداث التاريخ المجيد لأمتنا الغالية
كما أن اختيارك بشخصية جميلة بو حريد جاء موفقا ً نظرا ً لما تتمتع به هذه المناضلة الرائعة من مكانة عند العرب جميعا ً .
أحييك على هذا المقال الذي أعاد للأذهان أمجادا ً مضت ولم ولن ننساها .

Re: لماذا يرحـل العـظمـاء فـي صمـت !!

مرسل: 17 يوليو 2009, 11:23 pm
بواسطة الزهراء
السيد فهيم كتب:الزميلة المبدعة سلمي ... جميل جدا اعتزازك الدائم بوطنك و ذكرك الدؤوب لأمجاده و محاولتك الملحة في تدوين صفحات مضيئة من تاريخه المجيد بصبر واصرار تحسدين عليه ... بل دوما تضيفين الجديد من معين لا ينضب ولا يشح عطاؤه ... احييك علي أعمالك المبهرة والشيقة ... رقيقة الأسلوب وبليغة العبارة ... و اضحة الفكرة .... و أخيرا ، اجابة علي سؤال العنوان .. لماذا يرحل العظماء في صمت؟!.... بكل بساطة ... لأنهم عظماء.
السيد فهيم



زميلي و أخي العزيز السيد فهيم

أشكرك على مداخلاتك الرائعة التي دائما تتحفني بها و تسعد قلبي بقراءتها ، فكلماتك هذه أعتز بها :)

و كثيرا ما شُوه التاريخ و زُيف ، فرسم في ذهننا صور لا وجود لها و أصبحنا نرى التاريخ بعيونهم و كما أرادوا دون أن نعلم إن كان حقيقة أم لا ، و هذا ما دفعني للكتابة عن جميلة التي التزمت الصمت و ظلت مخفية و منسية حتى أن الكثيرين يخلطون بين كونها شهيدة ام مجاهدة .
هي تحمل في ذاكرتها الحقيقة لو تنطق بها و تنورنا و لكن للصمت حكمته و ظللنا تائهين نسمع كلام أي شخص قد يأتي بتغيير أة شيء مخالف للعادة فنفترض أنها الحقيقة .
هو تاريخ الشعب و كفاحات و نضالات صحيح و لكن أتساءل ، هم كان لهم شرف الجهاد و استرجاع الحرية فكانوا عظماء ، أما نحن فماذا؟ أيكفي أن نتغنى بهذا التاريخ و بما أنجزوه و بعظمتهم .
شكرا على كلماتك الجميلة التي عودتنا عليها flower1 flower1

Re: لماذا يرحـل العـظمـاء فـي صمـت !!

مرسل: 17 يوليو 2009, 11:35 pm
بواسطة الزهراء
محمد محمود كتب:رائع حقا ً مقالك يا سلمى
فهو خليط بين المشاعر الوطنية الفياضة وبين الواقعية في سرد أحداث التاريخ المجيد لأمتنا الغالية
كما أن اختيارك بشخصية جميلة بو حريد جاء موفقا ً نظرا ً لما تتمتع به هذه المناضلة الرائعة من مكانة عند العرب جميعا ً .
أحييك على هذا المقال الذي أعاد للأذهان أمجادا ً مضت ولم ولن ننساها .



شاعرنا المتميز محمد محمود ، أحييك

لطالما كنت سباقا في ابداء ارائك في جل المواضيع و محاولاتك لتكون قريبا من جميع الأعضاء بلرك الله فيك و اعانك لما تبذله من وقت و نشكرك على تخصيص جزء منه لمتابعة أعمالنا

بالنسبة للموضوع فاختياري لجميلة بوحيرد لم يكن فقط لكونها معروفة و ذات مكانة لدى الجميع ، إنما لانها رمز للحفاظ على التاريخ الحافل و البعد عن الأضواء بدلا من الجري وراء أشياء لن تضيف لها شيئا ، فهي مثال للمجاهد و المواطن و الثوري الحقيقي الذي لا يرغب سوى في اعلاء اسم وطنه عاليا دون حسابات اخرى
أشكر مداخلتك الجميلة مع تمنياتي لك بالكثير من التميزflower1