صفحة 1 من 1

ا لد يمو قر ا طية

مرسل: 04 أكتوبر 2009, 12:33 am
بواسطة اسلام نور
تواجه ايران منذ عدة أسابيع أزمة داخلية طاحنة وعاصفة تعد من أشد المواقف صعوبة فى تاريخها السياسى المعاصر، فباختصار مايحدث هناك هو عبارة عن تدهور الأوضاع الاجتماعية المتمثلة فى سوء الأحوال الاقتصادية بالبلاد وازدياد معدلات البطالة بها بصورة غير مسبوقة واحتقان سياسى يتمثل فى نظام حاكم متسلط يريد أن يبقى فى الحكم رغما عن ارادة الشعب وبأى ثمن حتى ولوعلى حساب أنقاض أشخاص أبرياء وذلك مايتم فعلا يوميا من جانب أجهزة الأمن وعناصر ميليشيات الباسيج التابعة لقوات الحرس الثورى الايرانى ، فالشرارة التى أشعلت الثورة الشعبية هناك حينما اكتشفوا المواطنون وقوع عمليات تزوير فادحة بعدة مراكز اقتراع تحت اشراف المحافظين المتشددين أسفرت عن فوز الرئيس المحافظ أحمدى نجادى بفترة ولاية رئاسية ثانية على حساب المرشح الاصلاحى ميرحسين موسوى والذى يتمتع بشعبية طاغية وسط غالبية الشباب المنتمين للاصلاحيين ، وبالتالى وجدوا الايرانيون انه تم سلب حقهم فى انتخاب مايريدونه بواسطة المرشد الأعلى أية الله على خامنئى وأعوانه فنتج عن ذلك مارأيناه من أحداث دامية يومية مستمرة للأن لايعرف كيف ستكون نتائجها النهائية ومدى تأثيرها على الساحة الايرانية الداخلية والخارجية ، ومن خلال ماسبق فيجب علينا كشعوب عربية النظر لتلك التطورات جيدا ونراقبها بكل دقة ونفكر فيها بطريقة ايجابية لكى نخرج فى أخر الأمر بدروس مستفادة لنا ولدولنا ، فالتاريخ دائما يعيد نفسه والدليل أن ماتواجهه ايران حاليا من مصاعب هى نفس ماتعرضت له الدول التى كانت مثلها من ناحية تسلط واستبداد الأنظمة الحاكمة بها سواء قديما أوحديثا مع اختلاف تفاصيل وشخصيات الأحداث ، والقاسم المشترك هنا بين جميع مثل تلك الأمم المتشابهة فى الظروف السلبية هو كان خروج حكوماتها على شعوبها بشعارات كاذبة مضللة وعبارات واهية فضفاضة تبررماوقع من اضطرابات وانتفاضات شعبية بأراضيها بأنها بفعل مؤامرة خارجية يقف ورائها مواطنين أقلاء يعملون كعملاء لصالح مؤسسات وأنظمة أجنبية يريدون تخريب البلاد كما تدعى الحكومة الايرانية بالوقت الحالى ، أو ترجع سببها لأشخاص جهلاء لايعرفون مصلحة بلادهم ويرغبون فقط فى اثارة المشاكل وجذب انتباه الناس اليهم ، فكل تلك الأقاويل الكاذبة السابقة وماشابهها من الادعاءات الباطلة تفوهوا بها جميع حكامنا العرب السابقين والحاليين بلااستثناء اثناء مواجهتهم للأزمات الداخلية التى كانت من الممكن أن تهدد دعائم حكمهم ، فصحيح أن أى دولة معرضة لمؤامرات خارجية كالتى تعرضت لها دولنا العربية قديما من جانب الاستعمار الغربى أو الأن من الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا واسرائيل ، ولكن لو دولة ما تمتعت بالقوة الكاملة فستسطيع الوقوف بكل جرأة أمام أى خطر أو تهديد خارجى مهما كان قوته ومواجهته بحزم شديد ، وقوتها تتمثل فى تماسك نظامها السياسى ووحدة شعبها وقدرتها على الاكتفاء الذاتى من الموارد الأساسية واستغلالها لها بالشكل الأمثل وتوفيرها لأفرادها كل مايحتاجوه من غذاء صحى ومساكن ملائمة ووظائف بأجور مناسبة للظروف المعيشية وأفضل رعاية صحية وتعليمية ورياضية وتبنيها للمواهب والمبدعين وغيرها من ضروريات الحياة وكذلك تفوقها الصناعى والتكنولوجى وتميزها علميا وثقافيا واقتصاديا وعسكريا وفنيا ورياضيا بمعنى تمتعها ولو بقدر معين من الرقى الحضارى بعدة مجالات ، وكل ماذكرته يفتقده عالمنا العربى تماما وبالتالى فهو منذ قديم الزمان وحتى وقتنا هذا و مستقبلا سيكون فريسة للأخطار الخارجية والداخلية بنفس الوقت ، فمنذ استقلال الدول العربية وحتى الأن اعتمدوا حكامها فى نظام حكمهم على التسلط والاستبداد والديكتاتورية وغيرها من مظاهر الحكم الجبرى التى رأوها ضمانا لبقائهم على السلطة لأطول فترة ممكنة ، فمثلا أرتكبوا العديد من المساؤى بحق محكوميهم والكثيرين منهم قاموا بتوزيع المناصب الهامة والعليا بدولهم على أولادهم وأقاربهم وأصدقائهم المقربون اليهم ، فهناك نماذج كثيرة بدولنا التى من المفترض أن نظام حكمها جمهورى تولى الابن الحكم فيها خلفا لوالده أو تولاها أحد أقارب أو أصدقاء الرئيس بدون اهتمامهم لارادة شعوبهم وهذا متوقع تكراره واستمراره لأمد بعيد ، ولذلك كثيرا ماوقعت انقلابات واضطرابات و خلافات وحروب أهلية وغيرها من الظواهر السياسية المتخلفة بدولنا نتيجة لماسبق ، فلكى تتجنب الدول تلك العيوب السابقة الخطيرة التى من شأنها أن تقضى عليها لابد من انشائها نظام حكم عادل وشفاف قائم على التعددية والانتخاب الحر ويتمتع جميع مواطنيها بدون أى فروقات وامتيازات بالحرية الكاملة المسئولة وبكامل حقوقهم المختلفة ، فكل تلك الأمور السابقة تعبر عن الديموقراطية والتى فى الأصل كلمة يونانية مكونة من كلمتين هما ديمو وتعنى الشعب وقراطية بمعنى الحكم أوالسلطة ، وبذلك يكون حكم الشعب أو الأغلبية هو من الضرورى أن يكون أساس أى نظام حكم سياسى بدولة ما سواء ملكى أوجمهورى أو أى نوع من الأنظمة السياسية المختلفة ، فلايوجد نظام مثالى على الدولة أن تطبقه فعلى حسب ظروفها يتحدد نوع حكمها ، وبدولنا العربية تتعدد فيها الأنظمة السياسية ولكن لم تعرف شعوبها مطلقا أى ملامح من الديموقراطية بمعناها الحقيقى والفعال ، فحتى دول مثل الكويت ولبنان اللتان لديهما أكثر المجالس النيابية العربية شبه فعالية الا أن مجلس الأمة بالأولى معرض فى أى وقت ولأبسط سبب للحل بأمر أميرى ، وأما الثانية التى بالفعل يتمتع شعبها بحرية سياسية وأكثرها ممارسة لحقوقها تحسد عليها من قبل نظرائها العرب ومع ذلك فديمواقراطيتها مشوهة لاعتمادها على سياسية التوافق والتوازنات بين الأديان و مصالح الأطراف الرئيسية المختلفة وبناء عليه تحدد طريقة الانتخابات وكيفية توزيع المناصب الحكومية من الرئيس الى أصغر موظف وبالتالى اذا حدث أى اخلال فى تلك التوازانات الطائفية تنشأ منازعات بين مختلف الطوائف ويحاول فيها كل طرف فرض رأيه بالقوة حتى لو وصلت لحمله السلاح وهذا ماحدث كثيرا بالتاريخ اللبنانى كالحرب الأهلية بالثمانيات مرورا بالمشاحنات الحالية من وقت لأخر ، فنتج عن غياب حق شعوبنا فى ممارسة حقوقهم الكاملة العديد من المشاكل والاضطرابات التى انتشرت فى مختلف أرجاء الوطن العربى ، فعلى سبيل المثال ولا الحصر تعانى جميع دوله من غياب الكوادر والقيادات الشابة وتفشى البيروقراطية وضعف التعليم وتوجد دول مثل الصومال طوال تاريخها وللأن تغرق فى فتنة الحروب الأهلية بشكل مستمر وبينما موريتانيا والجزائر والسودان وجزرالقمر واليمن مازالوا لم ينعموا بالاستقرار منذ حصولهم على الاستقلال وأما العراق وفلسطين فهما للأسف نتيجة أخطائهم الداخلية وضعف العرب يواجهون أوضاع فى غاية السوء والمهانة ، فمن أبسط الحقوق الواجبة لأى شعب بصرف النظرعن نوع النظام السياسى الخاضع له انه يختار بكل حرية وبدون ضغوط من أحد من ينوب عنه فى الحكم والمجالس الشعبية و بالمناصب العامة المختلفة من خلال انتخابات نزيهة ، وبذلك سيحاولون المرشحون كسب رضاء الجماهير والعمل على ارضاءهم بشتى الطرق وتحقيق مطالبهم بقدر الامكان وضمان حقوقهم لأنهم اذا لم يقوموا بهذا وأحس الناس بتقاعسهم وتخاذلهم فسيتم محاسبتهم من خلال عدم ترشيحهم مرة أخرى واختيار مرشحين أخرين غيرهم مثل مايتم بالعالم الخارجى الديموقراطى ، فالمسألة ليست صعبة ولامعقدة كما حاولوا كل الملوك والرؤساء العرب منذ أمد طويل أن يصوروها لشعوبهم ، فالوضع عندنا قديما وحاضرا مقلوبا فالحكام ومن يتولون المناصب العليا تعمدوا نسيان وتجاهلوا أنهم مجرد نواب عن محكوميهم وأن مهمتهم تكمن فى تمثيلهم وتنفيذ مايرغبونه وجعلوا من أنفسهم أصحاب الحق الطبيعى فى الحكم وعليهم ممارسة حقهم بالصورة التى يريدونها بدون محاسبة أو اعتراض من أحد وذلك تطبيقا لمقولة الملك الفرنسى لويس الرابع عشر " أنا الدولة والدولة أنا " ، فأصبحت دولنا كأراضى واقطاعيات مملوكة لهم يفعلون فيها كما يشاءوون و ينظرون لمحكوميهم على أنهم أجراء أو موظفين أو خدم لهم أو أناس لاقيمة ولاأهمية لأرائهم وعليهم أن يشكروا حكامهم ويدعوا لهم بالصحة والسعادة والعمر المديد على مايؤدونه لهم من تضحيات ومجهودات عظيمة ! ، وبسبب ضعف التعليم والتخلف الفكرى والأخلاقى والثقافى لغالبية الأفراد أستسلموا لقدرهم وأتأقلموا مع الوضع الموجود ، فالعراقيين انتظروا من يأتى اليهم ليخلصهم من رئيسهم لدرجة احتياجهم لمن يساعدهم أيضا فى اسقاط تمثال صدام !! ، وغالبية المصريين والسوريين وغيرهم من نظرائهم العرب أكتفوا بالنظر للأمور وانتظار تغيير الأحوال من تلقاء نفسها أو خارجيا كما حدث بالعراق ، ومن المؤسف انه كثير من الكتاب والسياسيين والمفكرين والاعلاميين العرب تحولوا لخواتم فى أيدى حكامهم وسايروهم فى ادعاءاتهم و مبرراتهم الواهية أو أقتنعوا بها ، ومنها انه لايصلح للمجتمعات العربية سوى بقاء الأشخاص الأكفاء العقلاء على مقاعدهم لفترات طويلة ويسرى ذلك فى مختلف الوظائف الرئيسية الهامة الأخرى ، على أعتبار أن ذلك يضمن الاستقرار لدولهم وبالاضافة انه الحريات التى تحظى بها الشعوب الأخرى لاتصلح للعالم العربى لأسباب غير منطقية و تهدف فقط الى تغريز وتعزيز وجهة نظرهم واثبات صحتها لاستفادهم من الواقع الموجود ، فعدم وجود الديمواقراطية أو تطبيقها بالشكل السليم بعالمنا العربى أدى لوصول شخصيات غير أكفاء لمختلف المناصب العامة من أكبرها لأصغرها كرئيس دولة ما أوجامعة أومحافظ أوعميد كلية ، فهؤلاء يبقون على كراسيهم حتى موتهم أو أبتلائهم بمرض خطير يعوق عن تأدية عملهم ولايتم محاسبتهم أطلاقا الا من خلال رؤسائهم فقط وأنتقلت لهم كذلك عادة التوريث السياسى العربى ، فنتج عن ذلك انتشار مختلف السلبيات والتشوهات الاجتماعية بمجتمعاتنا العربية كالرشاوى والمحسوبيات والنفاق وجرائم النصب والاحتيال ، فصحيح أنه توجد دول غير ديموقراطية حققت نهضة اقتصادية وتقدم بالعديد من المجالات المختلفة كالصين وروسيا ولكنها على الأقل يوجد بها تناوب فى السلطة ، وبنفس الوقت فهما لم يستطيعوا حتى الأن ازاحة أمريكا من صدارة وقيادة العالم بالرغم من مشاكلها العديدة بالفترة الأخيرة التى أضعفتها كثيرا وجعلتها لاتكون بنفس القوة والعظمة التى كانت عليها فى الماضى ، وبالاضافة لمعانتهم من وقت لأخر من نزاعات طائفية واضرابات ومظاهرات شعبية كالثورات الدائمة لمسلمى الأيجور الصينيين والرهبان فى التبت ضد نظام الحكم الصينى الديكتاتورى واحتجاجات العامة المتتالية فى السنوات الأخيرة بروسيا وسخطهم على السياسات الداخلية الروسية والقوانين الاستبدادية المقيدة لحرياتهم والتى سرعان مايتم قمعها على أيدى قوات الشرطة بالدولتين ، فعلى سييل المثال لم يقوموا الانجليز بترشيح زعيمهم التاريخى ونستون تشرشل لرئاسة الوزراء مرة أخرى فى الانتخابات البرلمانية التى عقدت عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية برغم قيادته لهم للانتصارعلى الألمان وبراعته السياسية بجانب شخصيته الكاريزمية ولكنهم فى ذلك الوقت فضلوا التغيير واعطاء الفرصة لفكر جديد بعد السنوات الطويلة التى تولى فيها الحكم ، وهناك دول بدأت تنهض من جديد وتجاوزت مشاكلها وتسير الأن نحو طريق التنمية الشاملة والتقدم والازدهار بعد معاناتها سنوات طويلة من الاضطرابات والمنازعات والحروب الأهلية وغيرها من المشاكل العديدة بعد ماقاموا بتطبيق الحكم الرشيد القائم على تداول السلطات والانتخاب الحر وضمان الحريات والحقوق الواجبة لشعوبهم كالهند والبرازيل وماليزيا وجنوب أفريقيا ، ورأينا انتخابات رئاسية وبرلمانية ناجحة ونزيهة فى بعض الدول الأفريقية مثل ليبيريا وغانا ونيجيريا ضمنت لهم السلام والأمل والسعى نحو التقدم ، ومن المعروف انه ليس هناك شىء كامل فى الدنيا فالكمال لله وحده فلذلك من الطبيعى أنه لاتوجد بالعالم ديموقراطية مثالية وسليمة بالمعنى الحرفى ، فحتى أمريكا تعتمد ديموقراطيتها بشكل أساسى على قوة رأس المال بمعنى انه لامكان لمرشحين ليسوا لديهم الأموال اللازمة أو الدعم المالى الكافى للدعاية الانتخابية فى أى منصب سياسى وكثيرا ماسمعنا بها فضائح سياسية وشخصية ورشاوى طالت رؤسائها ونوابها ، كما هو الحال الأن ببريطانيا المتثمل فى فضيحة الأموال العامة التى أستخدموها نواب مجلس العموم البربطانى فى أغراض شخصية ، وبالرغم من ذلك أثبت التاريخ بما لايدعى للشك أن الديكتاتورية وسياسة الاستبداد والقمع والحكرعلى أراء وارادة وافكار واختيارات العامة لاتؤدى الا لكل ماهو سيىء للأوطان والشعوب ، فجميع الأديان السماوية ومنها الدين الاسلامى نصت على المشورة وحث الله رسوله محمد (ص) على ذلك وضروره اتباعه لهذا فى حكمه وعند اتخاذ قرارته السياسية و العسكرية وفى جميع الأمور الأخرى وذلك فى قوله له " وشاورهم فى الأمر " وكذلك " وأمرهم شورى بينهم " ، وبعد وفاة النبى ساروا الخلفاء الراشدين على نفس المسلك ويتضح ذلك على سبيل المثال فى طريقة اختيار المسلمين لأبوبكر الصديق كخليفة لهم الذى تم بالمشورة وتبادل الأراء فيما بينهم فى سقيفة بنى ساعدة ومن ثم وقوع أختيار الأغلبية عليه ، وخطبته لهم بعد ذلك عند توليه الخلافة بقوله " أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوموني " ، وذلك نفسه ماحدث عند مبايعة الناس لعمر ثم عثمان وأخيرا على بن أبى طالب ، وهناك كذلك الرواية المشهورة التى سأل فيها الخليفة عمر بن الخطاب الناس أن يدلوه على عوجه ، فالحكمة فى مسألة الشورى تكمن فى فوائد كثيرة تعود على الأفراد جميعا منها انه عند وقوع خطأ اتخاذ قرار معين فى أمر ما يتحمله الكل وليس فرد واحد والعكس صحيح فبذلك تكون هناك مشاركة حقيقية وتعاون مستمر وتواصل فعال بين جميع أفراد المجتمع وأصحاب القرار فى كل الأوقات الجيدة والسيئة وبالاضافة انه سيؤدى لقلة اصدار القرارت الخاطئة والمتسرعة واحساس الناس بذاتهم وبكيانهم وبأهمية وحيوية دورهم فى مجتمعهم وضمان حصولهم على حقوقهم المكفولة لهم ومراقبة ومحاسبة تصرفات وقرارات السلطة الحاكمة والادارات التنفيذية والمسئولين الحكوميين عاما فى كل شىء .