على الرصيف ( قصة قصيرة )

المشرفون: Ghadat2009،نبضة...

أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
الأمير الحائر
مشرف قسم الروايات
مشاركات: 859
اشترك في: 31 أكتوبر 2008, 8:06 pm
Real Name: وليد توفيق
Favorite Quote: و تبقى الكلمات...
verification: ID verified and trusted writer

على الرصيف ( قصة قصيرة )

مشاركة بواسطة الأمير الحائر »

كان الشارع مزدحما كالعادة فى ذلك الوقت من الظهيرة, وأنا أقود سيارتى وسط صفوف السيارات الطويلة...أحاول أن أنفصل عن ذلك الزحام وتلك الضوضاء المحيطة بى لأفكر فى القصة القصيرة التى سأكتبها فى عدد الغد, ولازالت كلمات مدير الجريدة تدور فى رأسى...
" كتاباتك لم تعد تروق لى يامروان...أين كتاباتك القديمة...أين أعمالك الرومانسية...الناس لاتريد المشاكل والهموم التى تحزنها أكثر...أريد كوميديا...رومانسية...أحداث نادرة...لكن انظر إلى أعمالك الأخيرة...قصة تتحدث عن مشكلة شاب خرج من كلية الطب لغلاء التعليم ويعمل على سيارة فول لينفق على أخوته...والأخرى تحكى فيها عن رجل تحول للمعاش ويفكر فى ماعاشه خلال عمره كله حتى نهاية المطاف..ووصوله إلى نهاية الطابور..وحتى فى قصتك الأخيرة...ماذا كان اسمها؟! "
" انسان..."
" نعم تلك الإنسان..والذكريات وفقدانه لهويته...مروان...أنت كاتب رائع وتحس بهموم الناس...لكن الناس لاتريد ذلك...الناس تريد من يضحكهم وينسيهم همومهم...هل تعرف اللمبى؟! "
" اللمبى "
" نعم يامروان....اللمبى...أريدك أن تكتب عن شئ من هذا القبيل...شئ مثير...مضحك...( كاراكتر ) جديد يجذب الناس ويتابعوا الجريدة يوميا لقرائته..."
" ولكن...."
" لايوجد لكن يامروان...أنا أثق فى موهبتك الأدبية...لكنى أريد مواضيع أخرى وجذابة...وأنا واثق أنك ستجد موضوع جذاب...أمامك إلى نهاية اليوم لتغير تلك القصة الدرامية التى أمامى وتحضر قصة جديدة...وسلمها إلى المطبعة الليلة قبل بدء الطبع..لا أريد أن أتوقف عن الضحك عندما أقرأ قصتك غدا..."
أخذ يبتسم بسخرية وهو يتذكر كلمات المدير له...وأخذ ينظر حوله...الزحام...الضوضاء...دخان السيارات...الباعة الجائلين...الأطفال...و....توقف بنظره فجأة عند مشهد لشاب يجلس على الرصيف وأمامه كومة من ألعاب الأطفال...كانت ملامحه تشبه ملامح " اللمبى " الذى تحدث عنه المدير...وكان ينادى على مايبيعه بلهجة مضحكة ويمسك ببعض الألعاب وهو يغنى...توقف بالسيارة جانبا وهو ينظر إلى الرجل وتراود عقله الفكرة فى تردد...لما لا...المدير قال كوميديا و اللمبى...نخترع له لمبى جديد...حسم أمره وإتجه نحو الشاب وما إن اقترب حتى بادره الشاب " ألعاب أطفال يا باشا..." نظرت إليه فى تردد وأنا أتسائل هل سيفهم ما أريده منه أم لا...قبل أن أقول فى لهجة حاولت قدر الإمكان جعلها بسيطة
" أنا صحفى فى جريدة " الأمس " وأكتب قصة قصيرة يوميا, وأريد أن أكتب سلسلة من القصص عنك..."
تحفز الشاب مع كلماتى واعتقدت لوهلة أنه سيهم بالشجار معى قبل أن تعاوده لهجته الساخرة وهو يقول:
" ماذا تريد أن تكتب عن شاب مثلى؟ صدقنى أنا لست البطل الذى تريده, إلا إذا كنت ستكتب قصة عن بائع لعب أطفالى فقير على الرصيف "
أصابنى التوتر من كلماته الساخرة وحاولت الإبتسام وأنا أقول فى هدوء:
" أنا فقط أريد أن أكتب قصة كوميدية مثل قصة اللمبى أو....."
قطعت كلماتى وقد أحسست إنى ألقيت بنكتة مضحكة فقد انهمك الشاب فى الضحك إلى أن دمعت عيناه قبل أن يقول من وسط ضحكاته...
" أفضل شئ فيكم يا أصحاب السيارات الفاخرة أنكم تحسدوننا على ضحكاتنا...وتعتقدون أننا سعداء...ولاتعرفون إننا أتعس وأفقر الناس فى الأرض...لكننا لانملك إلا ضحكة من القلب...فلماذا لانخرجها...."
استمعت إلى الشاب فى دهشة قبل أن يتابع فى نفس اللهجة الساخرة وإن تطرق إليها بعض المرارة...
" سيادتك تبحث عن الكوميديا...دعنى أضحكك قليلا...إننى متخرج من كلية التجارة...ولكنى لم أجد وظيفة لمؤهلى...وأمى وأخوتى الصغار بعد موت أبى أنا العائل الوحيد لهم...لذا أعمل هنا فى النهار كما ترى...حتى الليل لأعمل فى حراسة أحد الجراجات...وهكذا نهار وليل...فى عمل لكى لا أجعل أمى تستدين لتنفق على أخوتى...ولكى لا أتذكر كل تلك المرارة أدارى حزنى وسط تلك الألعاب وخلف ضحكتى التى بدت لك كوميديا...ابحث فى مكان أخر ياسيادة الصحفى الأنيق...فأنا لست البهلوان المضحك الذى تبحث عنه.."
لم أكد أستمع إلى كلماته الأخيرة حتى هرولت عائدا إلى سيارتى هاربا من مواجهة الشاب ونظرت إليه لأجده يعود ليمسك بألعابه ويعود لضحكته وندائه المضحك قبل أن أدير السيارة فى يأس وأسير وسط السيارات...وفى عقلى أخذت أسخر من كلمات المدير..يسخر من الشخصيات الواقعية ويريد الكوميديا...يأتى هنا على الرصيف الممتلئ بالبشر ليرى الكوميديا الحقيقية...
أخذت أنقل بصرى بين الرصيف وبين الطريق حتى استوقفنى مشهد أخر...ماهذا...أوقفت السيارة فجأة...ونزلت من السيارة...لم أستمع إلى الهتاف الساخط من قائد السيارة خلفى...واتجهت نحوها...
.......
هناك...كانت تجلس...بكل وداعة ورقة..بجسدها الصغير الطفولى...و شعرها الطويل منسدل دون عناية خلف ظهرها وردائها المرقع القديم..وقد غطى الغبار سواد شعرها...تجلس وأمامها بعض من الكتيبات الصغيرة بدا من غلافها أنها تحوى سور قرآنية قصيرة...وتمسك هى إحداها وهى تمد يدها بها نحو المارة دون أن تتحدث...بدا لى وكأنها تصرخ فى صمت...أنا هنا..ماذنبى...أنظرو إلى...أنا حية...موجودة...أنا إنسانة مثلكم...أفقت من أفكارى على عينيها التى لاحظتنى وأنا أقف متسمرا أنظر إليها...كانت عينيها عسلية اللون...لم يستطع غبار الطريق أن يضيع جمالها وبريقها وهى تنظر إلى فى ترقب...بدا أنها وجلت من وقفتى تلك أنظر إليها وأحست أنى ربما أنوى لها شرا فأسرعت نحوها وأنا أقول مطمئنا عندما اقتربت منها:
" لاتخشى شيئا ياصغيرتى...أنا لست من الشرطة "
طمأنتها كلماتى قليلا...وإن أخذت تنظر إلى فى نفس الترقب...بادرتها مبتسما:
" ما اسمك ؟ "
توقعت أن يخرج صوتها خشنا غير مناسب لسنها كما كنت أسمع عن فتيات الشوارع, ولكن لدهشتى وجدت صوتها فى غاية الوداعة والبراءة وهى تجيب:
" اسمى بسمة..."
زادت دهشتى من اسمها الرقيق ايضا...كانت المشهد بالكامل غريبا بالنسبة لى...بدت لى كلوحة جميلة وضعت فى مكان خاطئ...لينعدم جمالها...ماذا ينتظر تلك البسمة الجميلة فى المستقبل...بل ماذا ينتظرها اليوم وغدا...ماذا ينتظرها وسط قسوة الشوارع...وجوع الحارات الضيقة..وطمع القلوب التى لاتعرف الرحمة...أفقت من أفكارى مرة أخرى وهى تمد لى يدها بذلك الكتاب الصغير وهى صامتة وفى عينيها نفس النظرة الحزينة التى تحمل الكثير...مددت يدى إلى جيبى وأخرجت حافظتى قبل أن أخرج منها عشرة جنيهات وأناولها لها...ولدهشتى وجدتها تنظر إلى العشرة جنيهات فى أسف وهى تنقل بصرها إلى الكيس البلاستك الصغير فى يديها الذى تحمل فيه الحسنات القليلة التى تعطى لها...قبل أن تقول فى حزن:
" ليس معى فكة "
أيقنت سبب حزنها وعدم فهمها لقصدى فبادرتها قائلا:
" لا...خذيها كلها...إنها لكى..."
تبدل حزنها فى لحظة إلى سعادة وملأ عينيها البرئيتين الفرح وهى تمسك بالعشرة جنيهات...فتابعت متسائلا:
" ماذا ستفعلين بالعشرة جنيهات يابسمة؟ "
انتظرت لأستمع إلى ماتصورتها ستنطق به...أنها ستشترى لعبة صغيرة أو تشترى بعض الحلوى مثل باقى الأطفال فى سنها...ولكن لدهشتى استمعت إليها وهى تجيبنى فى بساطة:
" سأذهب بها إلى أمى...فهى مريضة و يجب أن أجلب لها كل يوم عشرة جنيهات لتنفق على وعلى أخى الصغير وعلى دوائها...ولا أستطيع أن أرحل قبل أن أجمع تلك العشرة جنيهات كل يوم..."
تلقيت كلماتها البريئة فى صدمة...ونظرت إلى عيناها وكأنى أحاول فهم مايدور فى عقل تلك الفتاة الصغيرة...أحاول أن أعرف ماضيها...من أبيها...أحاول أن اعرف أحلامها..كيف تحيا...كيف تنام...كيف وألف كيف...هممت بسؤالها...قبل أن أستمع فجأة إلى صوت سرينة الشرطة...فنظرت خلفى لأجد سيارات الشرطة والبلدية وهى تهجم على الرصيف وعلى كل من عليه...نظرت فى الناحية الأخرى لأجد بسمة وقد جمعت كتيباتها القليلة فى كيسها بسرعة قبل أن تنظر إلى عيناى ثم تنحنى إلى يدى تقبلها وهى تقول:
" شكرا ياأستاذ "
حدقت فيها بعينين داهشتين وهى تهرب بعيدا وسط الزحام...وسط كتل البشر...حتى أختفت تماما عن الأنظار...
نظرت إلى المكان الذى كانت تجلس فيه منذ دقيقة...أحسست أنى كنت أحلم...هل ما رأيته حقيقة...نظرت لأجد أحد الكتيبات الصغيرة ملقى أرضا...ألتقطته ووقفت أنظر فى شرود إلى كل ماحولى على الرصيف قبل أن أعود إلى السيارة وأنا أفكر فيما حدث وتدور فى عقلى دوامة من الأفكار والخيالات...حسمتها سريعا واتخذت قرارى...
أمسكت بورقة وقلم...وأخذت أكتب...وبعد ساعة...أدرت محرك سيارتى متجها إلى مطبعة الجريدة...
.....
فى الصباح التالى تصدرت الصفحة الثالثة لجريدة الأمس قصة للكاتب الشهير مروان حامد...بعنوان ( بسمة...على الرصيف ) كتب فى نهايتها...
" هذه أخر قصصى لهذه الجريدة...سأبحث عن جريدة أخرى وسأكتب قصص أخرى...سأنزل إلى الشارع وأكتب...فالقصص الحقيقية هناك...فى الشوارع...وعلى الأرصفة...بدلا من أن نجلس خلف المكاتب الأنيقة و وننام على الوسائد المخملية وننتظر بسمة ترسمها على شفاهنا...مآسى الشوارع...ورصيف البشر..."
.....
وليد
16 ديسمبر 2008
ثمة أسماء و ألقاب تبقى..بقاء الأرض..بقاء السماء..و بقاء الكلمات...
ثمة أشياء تتعلق حياتها بأماكنها..بتوابيت مغلقة تخشى الإبتعاد عنها...
رغم أن الحياة..قد تكمن فى هذا البعد...

.....

...:: و تبقى الكلمات ::...

...... صفحتى فى الأكاديمية ......
تنهيدة
مشرفة قسم أدب الأطفال
مشاركات: 1291
اشترك في: 04 نوفمبر 2008, 3:01 am
Real Name: نهاد نعمان
Favorite Quote: لوسرقت منا الأيام قلباً معطاء بسام لن نستسلم للآلام ...لن نستسلم للألام .....
verification: ID verified and trusted writer
مكان: بنت مصر

Re: على الرصيف ( قصة قصيرة )

مشاركة بواسطة تنهيدة »

قصة مميززززززززة جدا ياوليد فكرتنا واسلوبا وتناولا بجد أن معجبة جدا بيها لانى بحب جدا القصص الا بتمس الشارع وهمومه وانت ابدعت بشكل جميل ومميز واللهى انا تخيلت نفسى وانا مع بسمة بمسح التراب من على شعرها وبحضنها وبرسم البسمة على وجهه مثلما هو مرسوما على أسمها
يارب ياوليد تكون كاتب كبير زى الا تكلمت عنه ويكون من أهدافك الأخذ بحقوق هذه الطبقة بحيك ياوليد على أفكارك الرائعة ....... flower1 flower1 flower1
آخر تعديل بواسطة تنهيدة في 11 مارس 2010, 3:14 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة
صورة العضو الرمزية
الأمير الحائر
مشرف قسم الروايات
مشاركات: 859
اشترك في: 31 أكتوبر 2008, 8:06 pm
Real Name: وليد توفيق
Favorite Quote: و تبقى الكلمات...
verification: ID verified and trusted writer

Re: على الرصيف ( قصة قصيرة )

مشاركة بواسطة الأمير الحائر »

بشكرك يانهاد على رأيك وعلى أمنيتك الجميلة ليا وأنا دايما بحب أتخيل وأنا بكتب إحساس الناس البسيطة اللى جايز عمرها ما ممكن تمسك قلم ولاكيبورد وتكتب إحساسها ومشاعرها وتوصلها للناس فعشان كده أنا بتطوع بده فى أعمالى...ويارب أكون بقدر أحس وأوصل ده كويس...وبشكرك ياتنهيدة على رأيك اللى بعتز بيه جدا صورةصورةصورة
ثمة أسماء و ألقاب تبقى..بقاء الأرض..بقاء السماء..و بقاء الكلمات...
ثمة أشياء تتعلق حياتها بأماكنها..بتوابيت مغلقة تخشى الإبتعاد عنها...
رغم أن الحياة..قد تكمن فى هذا البعد...

.....

...:: و تبقى الكلمات ::...

...... صفحتى فى الأكاديمية ......
صورة العضو الرمزية
walaa mohamed
أكاديمى نشيط
أكاديمى نشيط
مشاركات: 146
اشترك في: 08 فبراير 2009, 2:45 am
Favorite Quote: و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب.
مكان: مصر

Re: على الرصيف ( قصة قصيرة )

مشاركة بواسطة walaa mohamed »

راااااائعة ...حقيقى أكتر من رائعة
الفكرة مميزة جدا clap1 والأسلوب غاية فى التميز happy11
استطعت حقا ان تجعل الكلمات تصوغ احساس تلك الطبقة بمنتهى البراعة clap1 clap1 clap1
حقيقة هى قصة تحمل الكثير من الاسى, لكنها واقعية جدا جدااا..
سواء فى شخصية الشاب الجامعى بائع لعب الأطفال
أو بسمة تلك الطفلة التى شاءت الظروف أن يكون ذاك مصيرها...أو شخصية الكاتب نفسه
تحياتى لك يا وليد على قصة حملت الكثير والكثير flower1
يا مقلب القلوب..ثبت قلبى على دينك


صورة
أضف رد جديد

العودة إلى ”قصص فصحى“