حتي لا يضيع القمر

المشرفون: Ghadat2009،نبضة...

أضف رد جديد
nour elkhateeb
أكاديمى فعال
أكاديمى فعال
مشاركات: 16
اشترك في: 25 يناير 2010, 3:09 am
Real Name: نور الخطيب

حتي لا يضيع القمر

مشاركة بواسطة nour elkhateeb »

flower1حين يأتي الليل أنظر إلي السماء متطلعة إلي النجوم المتلئلة من فوقي والقمر الساطع في الأفق البعيد يأخذني عقلي بعيدا أتخيل نفسي فوق هذا القمر أسبح في الفضاء وحولي هذه الكوكبة المتلئلة لا يفصل بيني وبينها سوي خطوات ألمس بيدي نجوم السماء ، يأخذني القمر إلي مكان بعيد تملئ الخضرة أرضه ، وتنساب المياه من إحدي الشلالات ، وتقف الجبال من حوله كأنها إحدي الحصون المنيعة التي تحميه من الأعداء ، وتتلاطم أمواج بحره فوق صخورها تنعش القلب والنفس وتغسلهما مما بهما من هموم وأحزان .
أمشي وأمشي علي مياهه الصفراء الناعمة يتلاعب الهواء بخصيلات شعري وبردائي الوردي الفضفاض ، أرقد علي الرمال وأسند ظهري إلي صخرة مطلة علي البحر الواشع أتطلع إلي البحر أحيانا وإلي السماء أحيانا ، أري القمر وهو يطل من فوقي يتلاشي رويدا رويدا .. سيرحل بدوني ، هذا ما أحسه نعم سيرحل بدوني ، لقد أتت ساعة الرحيل من هذا المكان الجميل أتطلع إليه بعيون واسعة كأنني أستعطفة أن يبقي قليلا ، فلم تشبع نفسي بعد من هذا المنظر الخلاب ، لم تشبع أذني بعد بصوت الأمواج المتلاطمة وهدير المياه علي الصخور ، لم تشبع عيني بعد بكل ما حولي ولكن أتت اللحظة لابد أن أعود مع القمر وأرجع إلي عالمي الأجوف ..
وبالفعل أخذني القمر بين أنواره ونظرت فوجدت نفسي عدت إلي عالمي الذي كنت أحاول أن أهرب منه ولكني لم أستطع فنظرت حولي فغاص قلبي في أحزانه ، فلم أعد وسط الخضرة ولا أمامي البحر فلم أجد حولي سوي الجدران أربع جدران تحيط بي من كل جهة تكاد هذه الجدران تطبق علي أنفاسي .
عشرون عاما منذ ولادتي ولم أشاهد غير هذا الجدار الصلد من حولي ، لم يكن لي صديق أو خليل سوي القمر صديق حياتي وتوأم روحي كان الوحيد الذي أحس بي وآنسني في وحدتي .
كان لي أب وأم وأخوة ولكن كانوا لا يهتموا لأمري كأني لم أكن موجودة كنت مجرد جسد ملقي علي مقعد متحرك لا تستطيع أن تخطو خطوة إلا به وكيف لي أن أخطو وقد منعني أبي من مغادرة المنزل وأحيانا من مغادرة غرفتي عندما يزورنا زائر أو قريب حتي لا يروني وأتسبب في إحراج والدي برؤية فتاة كسيحة .
كم مرة كنت أنام فيها وقد بللت دموعي وسادتي ، كم مرة أنام علي صوت بكائي وحزن قلبي أعاتب نفسي .. لماذا أنت هكذا ؟ لماذا أنت كسيحة ؟ ، ما ذنبي في هذا وقد أراد الله لي هذا المصير ؛ كنت أجلس في ركن غرفتي وأبكي أبكي حتي لا يعد في عيوني عبرات تسقط علي وجناتي .
لم تري عيتدني الحياة سوي عندما كان أبي يأخذني إلي المدرسة ثم كان يعود بي إلي البيت ولم أكن أذهب إلي أي مكان آخر ، كنت مجتهدة في دراستي وكانت درجاتي دائما إلي الأفضل وبقية إخوتي فقد كانوا قد أنهوا تعليمهم وجلسوا في المنزل منتظرين فارس الأحلا ليبدأوا حياة جديدة بعيدا عن هذا البيت ، فرحت كثيرا لنجاحي في الشهادة الإعدادية ولكن كيف لي أن أفرح وأنا أعيش في هذا البيت ، فلم يوافق أبي علي تكملة تعليمي وصدمني بكلمات مزقت قلبي ، قال لي : لقد علمتك إلي الإعدادية حتي أجعلك تستطيعين أن تقرأي وتكتبي وهذا يكفي أما أن تكملي إلي الثانوية ثم إلي الجامعة فهذا عبأ علي فلترضي بنصيبك وتحمدي الله علي ما أنت عليه .
هكذا كانت كلمات أبي كانت كالسهم الصائب في القلب ، كالشوك المغروز في الحلق ولكن ماذا كان علي أن أفعل ، أن أهرب ! كيف وهذا المقعد أصبح كالجزء مني ؛ ولذلك عشت في هذا العالم القاسي عشت وكأني لم أعش .
مرت السنوات وإخوتي تزوجوا وأبي وأمي قد كبرا في السن ولذلك قد أحضرا في البيت خادمة لتخدمهما وترعاهما في كبرهما كما ترعاني أيضا وتلبي طلباتي .
نظرت إلي أبي العجوز الذي ملأ الشيب رأسه وهو يرتعش من الوهن والمرض ، ونظرت إلي أمي وهي تمشي بصعوبة متكأه علي عصا في يدها وتذكرت أهذا أبي الذي كان مملوء بالقوة والشباب ، وأمي التي كانت مفعمة بالنشاط والهمة . كيف فعل الزمان بهما ؟!
وكما غير الزمان أبي فقد أدركت أن الزمان قد غيرني فلم أعد في العشرين من عمري فقد كبرت كما كبر كل شئ في هذا المنزل .
كان إخوتي قد إنقطعت أخبارهم عنا منذ زواجهم وكانوا لا يزورونا إلا نادرا ولذلك أحسست بالعاطفة القوية اتجاه أمي وأبي، نعم فبالرغم من حالتي هذه وبالرغم من إحساسي بالظلم من جهتهم إلا إني كنت مشفقة عليهم وقد تركهم أولادهم بعدما ربوهم وعلمهم وجعلوهم أحسن الناس .
وتمر الأيام والشهور والسنين ويموت أبي لا أدري لماذا بكيت عليه ، لا أدري لماذا أحسست بأن شيئا غاليا قد انتزعوه مني هل هذا بسبب الصلة الفطرية التي جعلها الله بيننا أم بسبب قربي منه في الفترة الأخيرة من حياته ؟!
لا أعرف سوي إني قد بكيت عليه كثيرا ولا أدري من أين جاءت هذه الدموع ، كنت أنظر إلي أمي المريضة وارتجف ارتجف خوفا ويتشتت عقلي بالأفكار أقول لها في نفسي : أرجوك يا أمي لا تتركيني في هذا العالم بمفردي ، لا تتركيني مع مصيري المؤلم . كنت خائفة فلم يعد لي في هذه الحياة سواها ماذا أفعل بدونها وأنا لست سوي فتاة معاقة .
وجاء يوم ونظرت إلي أمي فلم أري منها أية حركة ، هززتها بيدي فلم تتحرك صحت بها : أمي يا أمي ولا مجيب .. صرخت بها : لا تتركيني لا تذهبي وتتركيني في هذا العالم المظلم ولكنها تركتني تركتني كما تعودت أن تتركني .
أصبحت وحيدة في العالم ووحيدة في البيت بالرغم من وجود الخادمة معي في المنزل إلا إني لم أحس أبدا سوي أني وحيدة لم أجد أحد يءنس وحدتي سوي القمر كنت خائفة أن يضيع مني هو الآخر ولذلك كنت دائما أجلس في شرفة غرفتي أنظر إلي السماء أتطلع للقمر رفيق عمري ، ولكن في قلبي شئ يقول لي أنني لم ولن أكون كائن متلاشي الهوية كائن ضاع ظله ، ولكن سوف أحيا ؛ نعم هذا ما كنت أشعر به وهذا ما أحسست به عندما جعلت منزلي دارا للمعاقين ومتحدي الإعاقة .
هؤلاء أصبحوا هم عائلتي ورفاقي عشت معهم وأعيش إلي أن يشاء الله ، فلقد خلق الله كل إنسان علي المعمورة وله وظيفة ومهمة ولقد أدركت شيئا مهما في هذه الحياة ،مادام القلب ينبض بالحياة فالأمل موجود لأن الأمل في الله .....كما قال أحدهم :
فما دام المولي راض *** فعلي الدنيا السلام
كنا دائما نعمل ونسهر ونجتمع مع بعضنا البعض كنا نجتمع علي ضوئه ضوء القمر الساري من الأفق البعيد ونحن نتسامر ونتبادل الأحاديث الجميلة فلم أعد خائفة من أن يضيع مني القمر ؛ فلن يضيع القمر ما دام الأحباب في القلوب والألباب .
صورة العضو الرمزية
donnabella
مشرفة قسم الأشعار
مشاركات: 365
اشترك في: 30 يناير 2009, 4:16 pm
Real Name: نورا مجدي
Favorite Quote: إذا لم يكن من الموت بد .. فمن العجز أن تموت جبانا
verification: ID verified and trusted writer

Re: حتي لا يضيع القمر

مشاركة بواسطة donnabella »

رائعة قصتك يا نور
بداية و نهاية و تسلسل رائع للأحداث
لكني لا أعرف لماذا شعرت أنها ستكون أفضل لو إتخذت إسلوب الراوي العليم
وكأن أحدا يرويها
عموما هذا مجرد رأي من قارئة

أرجو أن نري لك أعمالا كثيرة هنا
تقبلي مروريclap1 clap1
ومـا مــِن كاتبٍ إلا سيبلى ....... ويُبقي الدهر مــا كتبت يـداهُ
فلا تكتُب بخطِك غير شيءٍ ....... يسُــرك في القيامةٍ أن تـراهُ
صورة العضو الرمزية
Ghadat2009
مشرفة قسم الكتابة
مشاركات: 1481
اشترك في: 02 فبراير 2009, 12:00 pm
Real Name: غادة يسري
Favorite Quote: كن جميلا ..... ترى الوجود جميلا :)
verification: ID verified and trusted writer
مكان: مصر الجميلة

Re: حتي لا يضيع القمر

مشاركة بواسطة Ghadat2009 »

قصة بديعة و ذات مغزى رائع يا نور clap1

أحسست أن البطلة رومانسية و رقيقة جدا ، قلبها مملوء بالطيبة و الحب ، و أعجبتني جدا النهاية و القمر الذي كان بطلا بشكل ما.

و أعتقد أن الراوي الداخلي هنا جعلنا نستشعر أحاسيس البطلة و نتعايش و نتعاطف معها ، فهي الأقدر و الأصدق في أن تروري قصّتها برؤيتها التي أ - كما عتقد - تجعل القاريء يصدّقها و يتعاطف معها

الرسائل كثيرة في قصتك الجميلة و ربما كان أروعها هو أننا نملك السعادة بأيدينا و نستمد الطاقة و القوة من توكلنا على الله ثم مقاومة اليأس القاتل.

ننتظر المزيد من قصصك الجميلة flower1
صورة

.
.
.
[highlight=#ffff40]*** لــزيارة صــفـــحـــتــي *** [/highlight]
صورة العضو الرمزية
dr asmaa
أكاديمى نشيط
أكاديمى نشيط
مشاركات: 123
اشترك في: 04 نوفمبر 2009, 8:18 pm
Real Name: أسماء مصطفى
Favorite Quote: اللهم أسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك
verification: ID verified and trusted writer
مكان: الإسكندرية
اتصال:

Re: حتي لا يضيع القمر

مشاركة بواسطة dr asmaa »

الصديقة نور

من ليل إلى ليل ومن قمر إلى قمر ومن قصة إلى قصة شعرت انك رومانسية حالمة

يغلب عليكى جانب فلسفى مع التدبر والـتأمل وهذا جزء كبير من شخصيتك

لعلى أكون محقة فى هذا

أما بالنسبة للقصة فهى حقا رائعة من حيث الأسلوب والتسلسل

والنهاية بعدم الأستسلام والرضا بقضاء الله ومحاولة العيش فى الحياة مع الأخذ بالأسباب

تحياتى great1
صورة العضو الرمزية
mony
أكاديمى نشيط
أكاديمى نشيط
مشاركات: 136
اشترك في: 09 أكتوبر 2009, 4:13 am
Real Name: منى متولى
Favorite Quote: انتظار الفرج عبادة
verification: ID verified and trusted writer

Re: حتي لا يضيع القمر

مشاركة بواسطة mony »

الزميلة الجميلة
نور
اية الروعة دى قصة جميلة بكل ما لهذه الكلمة من معانى
flower1
واحلى شئ فيها الامل

نورت اكاديميتنا
اهلا بيك زميلة جديدة ومنافسة قوية
vi2

يابنى نصحتك لما صوتى اتنبح



ماتخافش من جنى ولا من شبح



وإن هب فيك عفريت قتيل إسأله



مدافعش ليه عن نفسه يوم مااندبح



وعجبى

لازلت أعرف ان الشوق معصيتى *^* و العشق والله ذنب لست أخفيه
أضف رد جديد

العودة إلى ”قصص فصحى“