مشهد- قصة قصيرة ، من وحي أحداث عزة

المشرفون: Ghadat2009،نبضة...

أضف رد جديد
dr_hope
أكاديمى نشيط
أكاديمى نشيط
مشاركات: 173
اشترك في: 09 فبراير 2009, 9:17 am
Favorite Quote: لا تنس ذكر الله
مكان: مصر
اتصال:

مشهد- قصة قصيرة ، من وحي أحداث عزة

مشاركة بواسطة dr_hope »

السلام عليكم
هذه أولى أعمالي بين يديكم للنقد و التعليق
وهي قصة قصيرة من وحي أحداث غزة الأخيرة ..
=====
" مشهد .."


" هذا و تواصلُ القواتُ الاسرائيليةُ_ لليوم الرابع على التوالي_ قصفَها العشوائيَّ؛ عل مدينةِ غزة المحاصرةِ، فلا تفرّقُ القذائفُ بين طفلٍ وشاب، أو بين رجلٍ و امرأة. الكلُّ سقطَ مغرقًا في دمائِه. اليومَ ترتوي الأرضُ الطاهرةُ بسيلٍ من الدماء الزكيّة لشهدائنا في غزة. هناك عدة بيوتٍ هُدّمت و سُوّيت بالتراب. سيّاراتُ الإسعافِ تجدُ صعوبةً بالغةً في الوصول إلى المواطنين. الإحصائيات الأوليّة تقول أن عددَ الشهداءِ وصلَ إلى مائةِ شهيدٍ؛ ثلاثون منهم من الأطفال.


إلى متى ستستمر هذه الهجمات البشعة؟

و إلى متى يظل الرد العربي غائبا ؟ ..

هذا ما ستجيب عنه الأيّام القادمة .
(عصام الكامل – غزة – فلسطين الصامدة )



انتهي عصام من إلقاءِ بيانِه إلى قناة " .." الفضائية، ثم تنفّس الصعداء ... أشارَ للمصوّر أن عليهما أن يستريحا قليلا؛ فلم يناما من الأمس؛ من جرّاءِ وحشيّةِ القصفِ الصِّهيَوني، وهو يشعرُ الآن بإرهاق شديد، ساهمتْ فيه موجةُ الحر التي لفحتهما، متزامنةً مع لهيبِ الحرائقِ المشتعلةِ هنا وهناك، تصاحبُها أصواتٌ من الصراخِ و العويل... لا شكَّ أنها صرخاتُ أمِّ ثكلي، أو أبٍ مكلومٍ، أو أبناءٍ سيُكتبُ لهم اليُتمُ. امتزجَ كلُّ ذلك فصنعَ لوحةً قاتمةً، رسَمَها رسّامٌ قد بلغ به الاكتئابُ و اليأس محلّه.



غرقَ في خواطِرِه تلكَ، ثم تنبّهَ على صوتِ زميلِه المصوّرِ، و هو يقولُ :

" يالِهذا القميصِ اللعين ..!"

نظرَ إليه عصام وقال :

" أي قميص يا جاسر ؟"

قال وهو يتأفف :

" هذا الذي نلبسُه أنا و أنت و كلُّ الصحفيين هنا، القميصُ الواقي من الرَّصاص، المكتوبُ عليه بخط واضح"press" ، إنه يشعرُني أني داخل آتون مشتعلٍ، ثم هو يشعرُني بالنذالة، هل كلُّ أهالي غزةَ يلبسونَ مثلَه؟؟ "

ثم أردفَ في حنق :

" يا لِهذا الهوان ! "



صمتَ عصام و لم يجبه؛ ربما هو الإرهاقُ الشديد ... ربما هو عدمُ رغبتِه في الدخولِ معه في جدال في ظل هذه الظروف، ربما فيما بعد و ليس الآن، سيعودان إلى بلدهما، سيجلسان في بيتِيهما في راحةٍ، و أمنٍ، و سلامٍ، ستصنعُ لهما زوجتُه الطعامَ، فيأكلونَه وفيرًا، شهيًا، لذيذًا، ثم يعقبونَه بتناول المشروبِ الساخنِ اللذيذ في شرفة المنزل؛ المطلّةِ على الحديقةِ الغنّاءِ ...حينَها، و حينَها فقط سيستمتعان بالنقاش في هذه المسألة، سيتجادلان كثيرًا ولا بأسَ، ولا مانع من أن ترتفعُ أصواتهما ... و لكن جدالهما هذا سيخفتُ حين تأتي الزوجةُ الحبيبةُ بأطباقِ الفاكهة ... و حينها لا صوتَ يعلو فوق صوتِ المعدة، سننتهي يا جاسر من الطعام، ثم يصيبُنا الوخم، و نُرجئ النقاشَ ليوم آخر، ... أما الآن فلا مجال ولا كلام ..



غرقَ في خواطرِه مرةً أخرى، ولم يفقْ إلا على صوتِ زميلِه يقولُ متأثرًا:

" الطفلة المسكينة.."

لم يدر عصام عمّن يتحدّث، فالتفتَ، فإذا بمشهدٍ أدمَي فؤادَه، وأ شعرَه بوخزٍ في ضميرِه ، لم يحتج معه إلى معرفةِ مصدرِه ! ، نظرَ إلى الطفلة التي يقصدُها جاسر .. و تأملَها ...



صغيرةً كانتْ، هشّةً كانتْ، فقيرةً_كما تشي ملابسُها المتواضعةُ_ كانتْ، حائرةً كانتْ، وحيدةً كانتْ، ضعيفةً كانتْ ... و ..

و كانتْ عند حطامِ ذاك المنزلِ، الذي امتزجَ في لحظةٍ واحدةٍ بالأرض، كأمٍّ احتضنتِ ابنَها الغائبَ في شوقٍ، كانتْ الصغيرةُ كما يبدو، بعيدةً عن بيتها وقت القصفِ، تلعبُ مع أقرانها في الشارعِ تمارس شيئا من الطفولة ! ، و يبدو أن عائلتَها قد ماتوا جميعا!.

" أليسوا هم أفراد العائلة الذين جاءتنا أنباء بوفاتهم اليوم يا جاسر ؟.. "

رد جاسر،فقال متصعّبا :

" نعم يا عصام، تخيّل؛ أب و أم و خمسة أبناء، في لحظة واحدة !!.."

عصام : سبحان الله، إنا لله و إنا إليه راجعون ،ولكن ماذا عن هذه الطفلةِ الصغيرة ؟

جاسر : لا أدري، هلمّ بنا نتقصّى الأمر.



ثم غلبته حاسّته الصحفية، فأنبأته أن لِهذِه الطفلةِ قصةً، فأشعلَ الكاميرا، و التقطَ صورا سريعةً للحطامِ، انتقلتْ حماستُه إلى عصام فأمسكَ الميكروفون؛ ليسجّل حديثا لأرشيف القناة، تعرضُه في وقتٍ لاحقٍ ، ثم قال _مُرْغِمًا نفسه على التحدّث بلهجة حيادية، لم تزل تصيبه بالحزن، و .. الذلّة ، ... لكنّها الأوامر !! _.


" قامت القوّاتُ الإسرائيليةُ، بقصف هذا المنزل المكوّنِ من عدّةِ طوابقَ، ليتحوّل في لحظاتٍ إلى هباءٍ منثور، قد اختلطتْ فيه الدماءُ و الأشلاءُ، مع الصخورِ و الرمالِ، و هاهي طفلةٌ صغيرةٌ، يبدو أنَّ عليها أن تواجهَ ذلّ اليتمِ، و الوحدةِ باقى حياتها، تقفُ عند ذاكَ الحطام، تبحثُ عن شيء ما... "




وصلا في هذه اللحظة إلى الطفلة، فوجداها تنقّب بيديها الصغيرتين، عن شيء ما وسط الحطام، و قد احتضنت دبدوباً صغيرًا، قد احترقَ أغلبُه فلم يبقَ منه إلا قماشٌ غيُر واضحِ المعالم.

عصام: هيه يا صغيرة، عمّا تبحثين؟؟.

رفعت الصغيرة رأسها، فجُزع الرجلين لرؤيتها تبكي ! .

اقترب جاسر بالكاميرا، و سلّطها على الوجه الصغير، ثم تذكّر في جزع غير مبرر طفلتَه الصغيرة، " لمياء"، التي بلغت السادسة من عمرها، وكيف كان يداعبُها، ويلاعبُها، و قد امتلأَ وجهُهَا بالنضارةِ و الصحة، و انتظمتْ ملابسُها، في جمالٍ و رقة، تذكّرَ كيفَ كانَ يحوطُها_و أمُّها_ بالعنايةِ و الرعايةِ، و التربيةِ و التسليةِ، و الفسحِ و الرحلاتِ، ملأتْ عليه طفلتُه حياتَهُ و روحَه، و سكنتْ قلبَه؛ فتربّعتْ على عرشِه، كريمةً مصونةً، كانَ حين يضمُّها إلى صدرِه، يشعرُ أنَّ الدنيا قد حِيزتْ له بحذافيرها، فلا يتمنّى أن يتركَها من يدِه، و حينَ يقبّلُها، يشعرُ أنه هناك معَ السحاب، طلبُها أمرٌ، و رغبتُها محقّقةٌ، آآه كم يفتقدُ الصغيرة، كم يفتقدُ تلك الضحكةَ التي تشحنُ خلايا عقلِه المكدودِ دائما؛ بطاقةٍ ، تتفجّرُ مواهبَ و إبداعاتٍ، كم لها من فضلٍ في نجاحِه في عملِه، كم لرضاها عنْه، من أثرٍ في رضاهُ عن دنياه، آآه يا صغيرتي ... لكنّ عزاءَه الوحيد، أنّه سيعودُ حتما لها، قريبا ما سيجمعُ بينهما لقاءٌ، فيستعيدان معًا الذكريات، و يطوفان معا أركان البلاد ... "



أفاقَ من ذكرياتِه على صوت عصام : يجددُ السؤالَ الذي لم تجبْه الفتاة بعد .

" عمّ تبحثين يا حبيبتي ؟"

قالت ذاتُ الوجهِ الشاحبِ، المغبرّ، وسط دموعها بصوت متهدج؛ يُنذر ببكاء وشيك:


"أبحثُ عن عروستي" .

"تمت"
حسبنا الله و نعم الوكيل !
صورة العضو الرمزية
المهاجر
مشرف قسم المقالات و النقد الفنى
مشاركات: 779
اشترك في: 04 نوفمبر 2008, 4:48 pm
Real Name: أحمد جمال الدين أحمد
Favorite Quote: دائما إفعل ما تحب ان يراك الناس عليه
دائماً لا تفعل ما يحب الناس ان يروك عليه
verification: ID verified and trusted writer
مكان: مصر
اتصال:

Re: مشهد- قصة قصيرة ، من وحي أحداث عزة

مشاركة بواسطة المهاجر »

قصة رائعة ومؤثرة ومبكية حقيقة عبرت عن حال الجميع فى غزة وخصوصا الاطفال لك منى تحياتى ومرحبا بك عضو جديد ونتمنى منك المزيد
dr_hope
أكاديمى نشيط
أكاديمى نشيط
مشاركات: 173
اشترك في: 09 فبراير 2009, 9:17 am
Favorite Quote: لا تنس ذكر الله
مكان: مصر
اتصال:

Re: مشهد- قصة قصيرة ، من وحي أحداث عزة

مشاركة بواسطة dr_hope »

أخي الفاضل المهاجر
شكرا لردك الكريم و لتشجيعك
ربنا يكرمك
حسبنا الله و نعم الوكيل !
صورة العضو الرمزية
الأمير الحائر
مشرف قسم الروايات
مشاركات: 859
اشترك في: 31 أكتوبر 2008, 8:06 pm
Real Name: وليد توفيق
Favorite Quote: و تبقى الكلمات...
verification: ID verified and trusted writer

Re: مشهد- قصة قصيرة ، من وحي أحداث عزة

مشاركة بواسطة الأمير الحائر »

حقيقى عجبتنى اللغة والأسلوب جدا...هل ده أول قصة قصيرة تكتبها ولا قصدك أول عمل فى الأكاديمية؟ صورة
العنوان رائع جدا..مشهد..و كان هيبقى أفضل لو ماكتبتش فى العنوان كلمة من وحى أحداث غزة لأن خلت الفكرة مباشرة أوى...القصة بتبقى ليها لذة خاصة لما القارئ يكتشف ايه موضوع القصة بين سطورها وليس من العنوان...فأعتقد عنوان ( مشهد ) كان وحده ممتاز ومشوق ومناسب جدا...صورة
جميل الربط اللى حسيتك عايز توصله من تفكير المصور فى بنته... و بين تركه للمشهد المؤثر تماما وكأن ده من دواعى عمله المعتادة... ويمكن دى أجمل فكرة حسيتها وعجبتنى فى معانى القصة بإعتبارها منظور أخر للمشهد...
نورت الأكاديمية يا دكتور وأهلا بيك زميل جديد لينا..وبجد لو ده أول عمل تكتبه فرائع جدا جدا ولغتك وتعابيرك هايلة...ولو أول عمل فى الأكاديمية فقط.. أيضا رائع و ننتظر أفكار وقصص أخرى صورة صورة
ثمة أسماء و ألقاب تبقى..بقاء الأرض..بقاء السماء..و بقاء الكلمات...
ثمة أشياء تتعلق حياتها بأماكنها..بتوابيت مغلقة تخشى الإبتعاد عنها...
رغم أن الحياة..قد تكمن فى هذا البعد...

.....

...:: و تبقى الكلمات ::...

...... صفحتى فى الأكاديمية ......
dr_hope
أكاديمى نشيط
أكاديمى نشيط
مشاركات: 173
اشترك في: 09 فبراير 2009, 9:17 am
Favorite Quote: لا تنس ذكر الله
مكان: مصر
اتصال:

Re: مشهد- قصة قصيرة ، من وحي أحداث عزة

مشاركة بواسطة dr_hope »

أخي الأمير الحائر

يسعدني مرورك و تعليقك الكريم ..

و أظن فعلا إن ملاحظتك في محلّها .. صورة

و دي مش أوّل حاجه أكتبها فعلا ، بس أوّل عمل في الأكاديمية ..

و بيني و بينك مش أفضل حاجه كتبتها :)

بس حبّيت أشارك في القضية الفلسطينية بأي حاجه، ولو شويّة كلام

شرفتني بمرورك أيها الفاضل
حسبنا الله و نعم الوكيل !
صورة العضو الرمزية
لارا
مشرفة قسم إهداء إلى
مشاركات: 151
اشترك في: 22 ديسمبر 2008, 12:00 am
Real Name: سها محمد حسن
Favorite Quote: من الذكاء ان تكون غبيا بعض الوقت
verification: ID verified and trusted writer

Re: مشهد- قصة قصيرة ، من وحي أحداث عزة

مشاركة بواسطة لارا »

قصه جميله ومعبره. واهلا بيك فى الاكاديميه
cowards die many times before thier dies
صورة العضو الرمزية
Ghadat2009
مشرفة قسم الكتابة
مشاركات: 1481
اشترك في: 02 فبراير 2009, 12:00 pm
Real Name: غادة يسري
Favorite Quote: كن جميلا ..... ترى الوجود جميلا :)
verification: ID verified and trusted writer
مكان: مصر الجميلة

Re: مشهد- قصة قصيرة ، من وحي أحداث عزة

مشاركة بواسطة Ghadat2009 »

صورة بجد بجد ... أسلوبك مذهل ! صورة
أعجبني جدا تعبير :كانتْ عند حطامِ ذاك المنزلِ، الذي امتزجَ في لحظةٍ واحدةٍ بالأرض، كأمٍّ احتضنتِ ابنَها الغائبَ في شوقٍ و المقارنة بين ابنته و هذه الطفلة المسكينة -كما تأثرت جدا بالنهاية
و كل أعمالك اللي قرأتها فيها حنين لجو البيت الدافيء و الزوجة المحبة الرقيقة و هذا أمر جميل جدا صورة

بس باضم صوتي للأمير الحائر ان العنوان فعلا حسسني اني حاقرا مقالة مش قصة في منتهى الروعة و الحس العالي و ابداع الوصف بالشكل ده ! ممكن كان يبقى (مشهد من هناك !) أو (مشهد!) صورة
برافو عليك و باقولك تاني نورت عيلتنا الجميلة !صورة
صورة

.
.
.
[highlight=#ffff40]*** لــزيارة صــفـــحـــتــي *** [/highlight]
dr_hope
أكاديمى نشيط
أكاديمى نشيط
مشاركات: 173
اشترك في: 09 فبراير 2009, 9:17 am
Favorite Quote: لا تنس ذكر الله
مكان: مصر
اتصال:

Re: مشهد- قصة قصيرة ، من وحي أحداث عزة

مشاركة بواسطة dr_hope »

قصه جميله ومعبره. واهلا بيك فى الاكاديميه
شكرا يا لارا ربنا يكرمك
حسبنا الله و نعم الوكيل !
dr_hope
أكاديمى نشيط
أكاديمى نشيط
مشاركات: 173
اشترك في: 09 فبراير 2009, 9:17 am
Favorite Quote: لا تنس ذكر الله
مكان: مصر
اتصال:

Re: مشهد- قصة قصيرة ، من وحي أحداث عزة

مشاركة بواسطة dr_hope »

ghadat2009 كتب:صورة بجد بجد ... أسلوبك مذهل ! صورة
أعجبني جدا تعبير :كانتْ عند حطامِ ذاك المنزلِ، الذي امتزجَ في لحظةٍ واحدةٍ بالأرض، كأمٍّ احتضنتِ ابنَها الغائبَ في شوقٍ و المقارنة بين ابنته و هذه الطفلة المسكينة -كما تأثرت جدا بالنهاية
و كل أعمالك اللي قرأتها فيها حنين لجو البيت الدافيء و الزوجة المحبة الرقيقة و هذا أمر جميل جدا صورة

بس باضم صوتي للأمير الحائر ان العنوان فعلا حسسني اني حاقرا مقالة مش قصة في منتهى الروعة و الحس العالي و ابداع الوصف بالشكل ده ! ممكن كان يبقى (مشهد من هناك !) أو (مشهد!) صورة
برافو عليك و باقولك تاني نورت عيلتنا الجميلة !صورة

" مشهد من هناك "
عنوان جميل ، حسنا ؛ ليكن " مشهد من هناك " صورة
شكرا لمرورك و إطرائك، و أنا الأسعد لانضمامي لهذه العائة الجميلة
حسبنا الله و نعم الوكيل !
أضف رد جديد

العودة إلى ”قصص فصحى“