صفحة 1 من 1

أحلام المطر الحلقة الخامسة

مرسل: 16 فبراير 2010, 12:09 am
بواسطة rawan432

خديجة
تيغيرت بى الحياة هذا الصباح , و اشتعلت جذوة الأمل فى خلابا أدميتى المسلبوة, ويا لها من جذوة , أشاعت الدفء والسكينة فى فى نفسى التى أشتاقت للقاهرة الحبيبة البعيدة حينما تراءت لى فوق طيف الخيال وديعة ساكنة فى الفجرمن فوق حديقة الأزهر بمأذنها المضيئة الفضية يظللها فى حبور جماعات الطيور المحلقة , تلمع اجنحتها الملونة تحت اشعة الشمس الحنون حيث الصباح يغزو البيوت الساكنة الدافئة وصوت جدتى العجوز يغمرنى حيناً ويدها تربت على شعرى حيناً أو تلبث قابعة فى مكانها الأثير ترنو إلى كلبين الفينة والفينة وهى تبتهل بالدعاء ثمتسمح بيدها وجهها الطيب , , ثم بابا أه بابا كم أشتقت إليك فهل أشتقت إلى ؟!
هل نمت الليال ساهداً , وجلاً على أبنتك الضائعة هل مرت عليك الآيام كئيبة , هل بكيت مثلما بكيت ,هل صرخت مثلما صرخت , هل عافت نفسك الطعام أياماً طويلة مثلى , هل صار طعم الحياة كطعم الرمال ,هل امسكت الاشواك مثلما فعلت لأشعر بأنى مازلت حية وهل طغى الآلم بداخلك كما بداخلى على سريان الدماء من الاصابع النازفة, هل غفوت تحمل فى عينيك صورتى كما أفعل كل ليلة , هل تشعر مثلما أشعر بقرب اللقاء , إنى أشعر بالأمل يا بابا وأنى سأعود , نعم سأعود.
كل هذه الصور اجتاحت خلايا عقلى وغمرتنى فى بحر من الحبور , كنت كالغريق الذى وجد مرساة نجاته , لذا شرعت يدى فى الهواء كطيراً وليد , وأنا أكاد اعدو فى الحديقة وقد تنفست اشجارها وزهورها فى الصباح الباكر الغارق فى رذاذ مطيراً حبيب , حملت معها الكثير من الحلم لفتاة بائسة ضعيفة مثلى , فطرت كعصفوراً صغير عبر الباب الحديدى الشامخ , ادور لاهية وأتنهد فى راحة مغمضة العين ملتفة الذراعين حول جسدى النحيل وقدماى تحتكان فى همس على عبر الفناء الآملس فى أهتزاز غير عابئة بألم السقوط ثم أخطو بقدم واحد السلم الجرانتيى العتيق بينما تنفع قدمى الآخرى عبر الدرجة الآخير فى قفزات سريعة لأقع فى الحضن الدافئ لخديجة , طباخة القصر السمينة القصيرة القامة الحنون ذات الخمسين خريفاً فوق خريف قضت منها الكثيروالكثير فى قصر ملك الطغاة غسان خورى .

وقد شممت من مريولها رائحة الطحين المميزة , فلبثت فى حضنها فينة أرتعش وهى تؤنبنى فى ضعف :-
يا لك من طفلة كبيرة ,إنظرى لشعرك المبلل من رذاذ المطر
بل أنهها روحى التى بللها ورواها ندى الصبح المنبلج من بوتقة ألمى وغربتى وكينونتى الأسيرة
هتفت بها وأنا أدور حولها فى شقاوة تحبها هى وتفرج قليلً شرنقة الظلمة المحيطة بحياتى
أحب المطر,أحب المطر, أحبك جوجى , وجوجى هو الآسم الذى أحببت دائماً منادة هذه السيدة الطيبة التى كثيراً ما رقت لحالى ولمحت فى عينها العطوفة إلتماعة الدموع التى تخفيها بمهارة بعيداً عن الأعين المراقبة.
وكثيراً ما تسللت ليلاً إليها وهى تقف وحيدة فوق طناجرها العامرة دوماً لأنها المسئولة عن أطعام القصر وعمال الضيعة , وكنت أسترق السمع إليها تدندن بشئ من أغانى فيروز , أو تدعو خيفة لأبن ضل عنها عله يعود يوماً وحين تلمحنى تزجرنى فى مودة خائفة , لأعود لمأسرى ,ولا تهفو عن اً أن تخرج لى شئ من الحلى الغارق بالفسدق والعسل تعده خصيصاً وتحفظه فى حالة مجيئى ثم تربت على يدى فى حزم وهى تضمها ضمة أم حانية وتدير وجهى حتى أستدير وأعود من حيث أتيت
وها هى تداعبنى
يا كتلة العظام النحيلة , علينا أن نكسوها بشئ من اللحم و......
وما لبثت أن توقف حديثها لدى دخول طاغية القصر غسان خورى وقد أستيقظ مبكراً عن موعده
وتكسر الحبور الذى أعترانى على صخرة الواقع الحادة الآطراف المريعة ,وهو يهتف بصوته العميق وقد ألم بحديثنا

ويوجه كلامه للمرأة المسكينة فى تعنيف ولوم
لا أعتقد أن أسم جوجى يليق بك خديجة
فتحفزت فى عناد ووجه خديجة يستحيل تغضناً وأحمراراً وهى تؤمى برأسها وتأذن من غسان خورى للأنصراف
فأمسك بذراعها بشجاعة غير عابئة بالنتائج السوداء العالقة فى هواء البهو الفسيح وأنا أقول فى أصراراً عنيد:-
بل يليق تماماًوأردف فى لهجة الواثق لأكمل حديثنا المبتور :-
جوجى ماذا لديك من طعام الأفطار
فنظرت لى بعتاب وضعف وقد أنكسر شيئاً فى روحها المرحة, بيد أن الأمر راق للعجوزالخبيث وهو يستعرض قوته الطاغية وتراقصت أبتسامة عابثة عبر وجهه وهو يقول:-
ايتها الصغيرة العنيدة فلتكن جوجى طالما أن جدك سيحظى برفتقك للاقطار , ولم اك أعنى هذا مطلقاً
أن أ جلس مع الطاغية العجوز المستفز على مائدة واحدة وننعم بتلك الرفقة الصباحية الأسرية المبهجة أمر خارج تمامً عن محيط أفكارى , فلم يحدث أبداً خلال العام الذى قضيته هنا بين هذه الجدران السميكة المهيمنة على روحى قبل جسدى أن تبادلت معه حديثاً مهذباً أو كلمة ودية فما بالك بالطعام وجهاً لوجه معه وقد تخيلت مئات المطارق تنهال على معدتى وتدكها دكاً مريعاً , لكنى تذكرت جوجى وتذكرت فدوى وبسام وشئ فى أعماقى ينبئنى بأن أستكين قليلاً وأنتظر فمن يعرف ..من يعرف
قلت لابأس وأنا أهمس لجوجى بشئ ما, وهى تختلس نظرة سريعة مؤنبة لم تفت الرجل الواقف ممسكا ً بعصاه يدقها فى رتابة بصوت خفيض محملقاً فى الخادمة الودود التى أنصرفت مسرعة وقد ضاقت عينى العجوز وهو يرمقها فى شك ثم تحولت إلى فى شك أكبر وقد وقفت أمامه فى أعتداد بالنفس لم يهزنى صوته الرنينى العميق يزفر فى وجهى زفرة دنست سلام نفسى :-
ماذا تدبرين , ويشير بأصبعه فى وجهى
حذار ناتالى فأنا أعشق عقابك
فعضتت على شفتى وقد أثارنى قلقه ببهجة مريحة , هكذا الآمر النسر العجوز يخشانى فقلت بخفة:-
لا تقلق مسيو خورى لاتقلق ابداً , قلتها وأنا أتجه لحجرة الطعام
من قال أن الأنسان لا يملك عينين خلف راسه, كاذب لأنى أحسست بسياط تلهب ظهرى وتحرقه وتكاد تخلع قلبى من بين ضلوعى الواهية.