صفحة 1 من 1

مفاتيح خاصة ج8

مرسل: 15 نوفمبر 2010, 10:32 pm
بواسطة سندريلا
هبطت نهى من سيارة الأجرة ثم سارت بذلك الشارع المزدحم بالناس و المحلات بخطى مرتبكة غير واثقة من صحة قرارها ، تطلعت إلى المارة من تحت نظارتها الشمسية السوداء فوجدتهم يحدقون بها فشعرت كأن الناس تقرأ ما يدور بعقلها و كأنهم يدركون أيضاً ما ستقدم عليه بعد قليل دون علم أخيها فبالرغم من إصرار كمال على فعل ما ستفعله بعد قليل إلا أنها لم ترد إخباره حتى لا يقلق عليها فيكفيه ما سببته له من القلق بالشهور الماضية ، تطلعت إلى أسماء الأطباء المعلقة على نافذات العمارات الشاهقة لتبحث عن إسم ما ، فهي تعرف إسم الطبيب جيداً لأنه كان والد إحدى زميلاتها بالمرحلة الثانوية لكنها لا تعرف مكان عيادته بالضبط ، و أخيراً وجدت إسمه على إحدى البنايات د| محمد نبيل أخصائي الأمراض النفسية و العصبية ..
صعدت درج البناية و خفقات قلبها تزداد بشدة حتى وصلت إلى شقته فسجلت إسمها و جلست ترقب دورها ..
لكنها تعجبت قليلاً حيث كانت العيادة النفسية مناقضة للصورة التي كانت بخيالها ، لقد صورها لها إحسان عبد القدوس من خلال الروايات كمكان هاديء غير مزدحم بالمرضى ؛ لأن المرضى النفسيين قلة ربما يقتصرون على الجميلات اللائي يرتادن مثل هذه العيادات مثلما يذهبن للكوافير أو لطبيب الأسنان أو للتسوق ، لكن ما رأته نهى زاد من همها هماً حتى أنها شعرت أن الطبيب ربما يستخف بها من هول ما يراه و لن تغضب منه إن فعل فهي نفسها استخفت من نفسها حينما رأت ما رأت ..
رأت أطفال مرضى يُعالجون من كهرباء زائدة بالمخ و كان أحدهم مصاب بالتخلف العقلي فجلست أمه حزينة راضية بقدرها ، كانت تقص لها ما تراه من أهوال على يد إبنها المريض و على يد أخته الصغرى المصابة بنفس المرض و كيف أنها لا تشعر بحياة زوجية و لا تستطيع أن تتخلص من ذلك الصداع الذي يصيب رأسها جراء ما يحدث لها من مشاق على أيدي أبنائها ، تعجبت نهى من نفسها لأنها شعرت بالعطف تجاه الطفل و أمه ؛ فهي التي تهرب من الشفقة و الرثاء بأعين الناس تجلس الآن و يملأها الرثاء تجاه تلك المرأة ، جلست نهى تتطلع للمرضى بأعين حزينة و نفس مقهورة بينما تصاعدت صرخات امرأة من حجرة الطبيب لتعاطيها جلسات كهرباء على ساقيها ، أرادت نهى أن تنهض و تهرول بعيداً عن ذلك المكان الذي أشعرها بمدى تفاهتها لكنها من هول ما رأت لم تكن تملك طاقة لتنهض .
انصرف جميع المرضى فخرج إليها الطبيب فنهضت لتقف بمواجهته فوجدته ينظر إليها و يتفحصها من تحت منظاره الطبي بدقة ؛ و كأنه يستشف ما بها أو يقرأ أفكارها فابتسمت له بهدوء حينما حياها ثم دلفا إلى حجرته معاً .
جلست نهى بمقابلته فبدأ بسؤالها عن إسمها و دراستها و سنها ثم سألها :
_ خير يا نهى بتشتكي من إيه ؟
_ مش بنام خالص يا دكتور عندي أرق فظيع و صداع دايما بيجيلي .
صمت الطبيب قليلاً ثم قال مفكراً :
_ مش بتنامي يعني أرق يعني بيجيلك الصداع من الأرق .. ثم نظر إليها يسألها :
_ مش بتنامي ليه بئى يا نهى ؟ أكيد بتفكري ف حاجة ؟
ضحكت نهى لأنها أدركت مغزى سؤاله فقالت :
_ مش بفكر في حاجة و الله .
_ طيب إنتي عاملة إيه في دراستك ؟
_ تمام الحمد لله ده أنا حتى بحبها جداً .
_ طيب و ظروفكم في البيت ؟
_ يعني كان في شوية لغبطة في البيت الفترة اللي فاتت بس الحمد لله عدت على خير .
_ إزاي ؟
_ يعني والدتي توفت و بابا اتجوز و حالياً أنا أُعتبر قاعدة لوحدي .
_ إزاي ؟ والدتك توفت إمتى ؟
_ من حوالي سبع شهور كدة .
_ و والدك اتجوز إمتى ؟
_ بعد وفاتها بأقل من شهرين .
أدرك الطبيب مغزى حديثها فقال بخبث واضح ليرى رد فعلها :
_ يا ساتر .
فنظرت له نهى تؤكد كلامه ثم أدركت أنها وقعت في الفخ حيث أكدت بفعلها هذا مدى غضبها و ضيقها من زواج والدها بالرغم من اقتناعها في قرارة نفسها بمدى أحقية والدها بذلك .
صمت الطبيب قليلاً ثم قال لها :
_ أكيد بتفكري في كدة ؟
_ يمكن .
_ طيب ليه ما أخدتيش الحل الأسهل و وافقتي إنه يتجوز معاكي ؟
_ لا .. محبتش الفكرة دي .
_ بس دي كانت حتبئى في صالحك يمكن كانت ساعدتك في الغسيل و الأكل و كدة ؟
ردت نهى بتصميم واضح :
_ لا .. أنا أقدر أغسل لنفسي كويس أوي .
شعر الطبيب أنه لا مفر من الحديث مع نهى و مجادلتها في تلك النقطة فقال لها :
_ أكيد الموضوع ده اللي بيسبب لك أرق و قلة النوم بتعملك صداع .
_ ممكن ، طب و الكوابيس ؟
_ أكيد يا نهى من نومك لوحدك ، أنا شخصياً لو نمت لوحدي أكيد حيجيلي كوابيس و أخاف .
_ صح .
_ حاولي تنظمي نومك .. ثم وقف و دار حول مكتبه و أخرج لها بعض الأدوية فأدركت نهى أنها مواد منومة ففكرت في نفسها أنها من المستحيل أن تتعاطى أية مواد منومة ، عاد الطبيب إلى مكتبه ثم قال لها :
_ بنتي إيمان بردو زيك كدة مش بتنام و بتقعد على النت كتير فبقولها تحاول تنظم نومها ، هي في سنك تقريباً متهيألي تعرفيها ؟
_ أه أعرفها .
_ بجد ؟
_ اه .. كانت زميلتي في ثانوي .
_ أه ؛ طيب أنا عايزك تاخدي من البرشام ده كل يوم حباية و تشتري العلاج اللي في الروشتة .
_ حاضر .
_ و يا ريت تيجي كمان إسبوعين و تقوليلي عملتي إيه ؟
وقفت نهى و قالت :
_ إن شاء الله .
ثم اتجهت تجاه الباب لتخرج فوجدته يقول لها :
_ طيب علشان خاطر إيمان خدي بئى فلوس الكشف ، ثم أخرج بعض النقود من محفظته فرفضت نهى بشدة و قالت :
_ لأ .. متشكرة أوي .
خرجت نهى و هي مصممة ألا تعود إليه مرة آخرى ، فهي التي تهرب من نظرات الشفقة و تتعذب من كلام الناس جاءت إليه يداويها فوجدته هو الآخر ينظر إليها بشفقة و يريد أن يعطيها نقودها مرة آخرى ! لا .. لن تعود .. يبدو أن علاجها بيديها هي فقط دون مساعدة أحد .

مرت الأيام على نهلة بسرعة شديدة بالرغم من أحداثها الكثيرة ؛ حيث قدم إليها العريس و رأته و جلست معه فوجدته عذب اللسان يحبها حباً شديداً من مدة طويلة ، أخبرها أنه كان يراقبها حينما كانت تسير برفقة أخواتها أو صديقاتها بالشارع و أنه لطالما تمناها و تمنى أن تكون زوجته التي تشاركه حياته القادمة ، كان يمكن لنهلة أن تسعد بذلك الكلام في ظروف آخرى لكنها لا تستطيع أن تفرح بكلامه الآن لأنها تعلم جيداً أن قلبها ما زال معلقاً بوحيد ، وافقت نهلة على الخطبة و هي تشعر بخيانتها لوحيد لكنها كانت تعلم أن زواجها هو الحل الأمثل لتنسى وحيد خاصةً حينما يكون العريس مثل محمود ، إنسان رقيق المشاعر طيب القلب حسن الأخلاق و تتمناه أي فتاة .
مضت الأيام على نهلة بسرعة و هي تعد نفسها للخطوبة ، تم تقسيم الأعمال بينها و بين صديقاتها ، حيث تولت أميرة مهمة الزينة و تزيين منزلهم و إعداده لحفل الخطبة بينما تولت سالي تطريز فستان الحفل و إعداده ، بينما خرجت معها نهى لشراء أدوات الزينة التي تحتاجها نهلة من طلاء للأظافر و كريمات للجلد و قناعات البشرة المختلفة ،و خرجت أيضاً برفقة محمود لاقتناء الشبكة من محلات الدهب فكان لطيفاً معها مبدياً رغبته في إسعادها بشراء كل ما تريد ، و أثناء خروجهم تركها مع أختها ليحضر لهم بعض زجاجات الكوكاكولا فلفت نظر نهلة معرض لبيع التحف و الزهريات القديمة التي لطالما عشقها وحيد مثلما أخبرها من قبل ؛ فوقفت أمام المحل شاردة تتذكر وحيد و أحاديثه الممتعة فغرقت عيناها بالدموع دون أن تدري ، مسحت دموعها بسرعة حتى لا يراها محمود و بالفعل حينما عاد إليهما سألها :
_ إنتي كويسة ؟
رسمت نهلة ابتسامة مصطنعة و قالت له :
_ أه .. الحمد لله .. جبت الكوكاكولا ؟
بدا و كأنه لم يقتنع بحديثها فسألها :
_ في حاجة عجباكي في المحل هنا ؟
_ لا .. عادي بتفرج بس ..
قالت له ذلك بالرغم من إعجابها ببلورة زجاجية صغيرة تدور بها المياه حينما تُرَج جيداً و بمنتصفها يقف عريس بجوار عروسته كما أنها يمكن أن تضيء بألوان رائعة حينما تقوم بالضغط على زر صغير يوجد بأسفلها ، لكنها لم ترد إخباره بذلك حتى لا يشتريها لها فيتحمل تكلفتها .
كان اليوم يمر على نهلة بسرعة فتنام آخر الليل دون أن تفكر في صحة قرارها أو خطأه بالرغم من وعيها التام بأنها تظلم محمود و ربما تظلم نفسها !
و بيوم الخطبة تجمع الأهل و الأقارب و الأصدقاء بمنزل نهلة حتى أن فريق المسرح بالكلية حضر ، كان الجميع سعيداً لأجلهم إلا صديقاتها ، لم تكن تعلم نهى هل تفرح لها ؟ أم تشفق عليها ؟ أم تشفق عليه هو ؟ لم تستطع نهى أن تفعل شيئاً سوى أن تتمنى لها الخير و السعادة داعية الله أن يرزقها حب محمود حيث التمست نهى حبه و صدق مشاعره تجاه نهلة ، أما أميرة وقفت حزينة أثناء تصاعد النغمات الهادئة التي وقفت نهلة ترقص عليها برفقة محمود ؛ حيث تذكرت يوم خطبتها على محمد ، و كيف أنها وقفت ترقص معه بسعادة شديدة لم تشعر بمثلها من قبل ، بينما وقفت سالي شاردة بسبب قدوم أيمن لحفل الخطبة برفقة فتاة جميلة في مثل سنها تقريباً عرفت فيما بعد أنها إبنة عمه دون أن يصافحها حتى و كأنه لا يعرفها ، اقتربت راضية من سالي و قالت لها :
_ مش تباركي لأيمن يا سالي ؟
رسمت سالي ابتسامة هادئة محاولة أن تحتفظ بهدوءها فقالت :
_ خير ؟ على إيه ؟
_ أيمن حيخطب ..
سقط قلب سالي بقدميها و انتفضت من هول المفاجأة بينما استطردت راضية تقول :
_ بنت عمه اللي واقفة هناك معاه ، بس إوعي تقولي يا سالي ده سر .
تركتها سالي دون رد لأنها تعلم جيداً أن راضية تقول ذلك لتثير حنقها بينما هي نفسها مستاءة بشدة لأنها لطالما غارت على أيمن منها و كانت متأكدة من مشاعر راضية تجاه أيمن لكنها لم تبالِ بها مطلقاً ، ثم تركت الحفل دون حتى أن تودع صديقاتها ثم خرجت تهرول من المنزل و عند باب المنزل التقت بأدهم وجهاً لوجه ، نظر إليها متعجباً لخروجها ببيداية الخطبة ثم لاحظ دموعها فنظر لها برفق و اقترب منها متسائلاً :
_ سالي .. مالك ؟ في إيه ؟
نظرت له بغضب قائلة :
_ مالكش دعوة بيا ، محدش له دعوة بيا .
ثم تركته و غادرت المنزل فلحق بها أيمن يناديها بينما وقف أدهم على مقربة منهم ليفهم ما يدور ، تطلع أيمن إليها بخجل و قال :
_ سالي .. أنا بجد آسف .
ردت عليه بثبات بالرغم من قلبها المنفطر بداخلها و كرامتها الجريحة :
_ آسف ؟ ليه ؟
_ صدقيني يا سالي .. أنا حاولت أقنع بابا بخطوبتنا بس هو صمم على بنت عمي و قالي يا بنت عمك يا إما مفيش شغل في شركتي بعد التخرج .
_ ما تحاولش تقدم مبررات مش مقنعة يا أيمن ، ما تضحكش على نفسك ، إنت جاي تحاول ترضي ضميرك بكلمتين فاكرني هبلة و حصدقك زي ما صدقتك قبل كدة ، بس إسمعني أنا اللي حريحك .. إنت ماحبتنيش أصلاً .. إنت فرحت باللعبة اللي في إيدك على اعتبار إني بحبك بس اطمن أنا مش بحبك .
تعجب أيمن من إسلوبها لكنه لم يصدقها ، فغروره أخبره أنها تقول له ذلك الكلام لتحفظ ماء وجهها و كأنها أدركت ما يدور بعقله فقالت له :
_ إوعى تفتكر إني بقولك كدة عشان أحافظ على كرامتي ، لا .. تأكد إني ماحبتكش أصلاً ، بس أحياناً ضغط الأم على بنتها في موضوع الجواز لمجرد إنها تطمن عليها قبل ما تموت أو علشان تضمن مستقبلها بيخلي البنت تقبل أي حاجة و خلاص و تعمل أي حاجة حتى لو كانت ضد مبادئها .. و لازم تعرف إنك بفلوسك و إعجاب البنات بيك اللي بيجروا وراك ما تهمنيش في حاجة ، إنت كنت بالنسبة لي مجرد عريس
مناسب و بس ..
و قبل أن تكمل حديثها رفع أيمن يديه ليصفعها على وجهها لكن يد أدهم أمسكت بيده قبل أن تلمس وجهها ، وقفت سالي هنية من الزمن غير مدركة لما قالت أو لما حدث ، بينما نظر أيمن إلى أدهم شزراً فقال له أدهم بثبات :
_ أرجوك يا أيمن .. كفاية لحد كدة ، اتفضل إدخل شوف خطيبتك و سيب سالي دلوقت .
نظر أيمن إلى سالي بضيق ثم انصرف ، نظرت سالي إلى أدهم لا تعرف ما تقول بينما كان يتطلع إليها بثبات و ينظر لعينيها يفحصها كأنه يريد أن يتأكد من صدق ما قالت منذ قليل فقالت له :
_ إنت واقف هنا من إمتى ؟
لم يجبها لكنه أمسك بمرفقها و سار بها تجاه سيارته ثم فتح بابها لها و قال :
_ اتفضلي .
دلفت سالي إلى السيارة دون أن تعرف لماذا تستجيب إلى حديثه هكذا ؟ .. انطلقت بهما السيارة دون أن يتحدث أدهم و دون أن تنطق سالي ببنت شفة ..
يتبع بالفصل التاسع ..

Re: مفاتيح خاصة ج8

مرسل: 16 نوفمبر 2010, 10:24 pm
بواسطة donnabella
clap1 رااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااائعة
الرواية أحداثها و المسارات بتاعة الشخصيات عجباني جدا
إسلوبك يشد قوي يا جيجي
إستمري

clap1 clap1 clap1 clap1 clap1

Re: مفاتيح خاصة ج8

مرسل: 25 نوفمبر 2010, 5:33 pm
بواسطة سندريلا
شكرا يا نورا يا حبيبتي على مرورك و اهتمامك بالرواية ...
جزاكي الله كل خير يا رب و يا رب اكون عند حسن ظنكم ع طول
نورتيني يا قمر و كل سنة و انتي طيبة يا رب flower1 :)