ثمن الإنتقام (رواية مخابرات ج1)

المشرف: الأمير الحائر

أضف رد جديد
يوبا
أكاديمى فعال
أكاديمى فعال
مشاركات: 13
اشترك في: 11 ديسمبر 2008, 11:03 pm

ثمن الإنتقام (رواية مخابرات ج1)

مشاركة بواسطة يوبا »



تمهيد:
لم تخف (هند) إعجابها بفستان السهرة على واجهة المحل، وهو يحمل بصمة ماركة شهيرة تحبها. لكن نظرها، رغم ذلك، لم يحد لحظة عن هدفها الرئيس. وراقبت في السطح العاكس لزجاج الواجهة رجلا متوسط القامة بمعطف بنيّ يخرج من سيارة سوداء يرافقه ثلاثة رجال ضخام الجثة في بذل سوداء تبرز بوضوح أن مهمتهم الحراسة الشخصية.
توقف الرجل ذو المعطف البني لحظة، ينظر لواجهة المطعم المقابل له كأنما ليتأكد من المكان، قبل أن يحول بصره فجأة إلى الشارع في حركة دائرية. وخيل إليها أنه توقف عندها تحديدا بعينه المخفيتين خلف نظارات سوداء، قبل أن ينزعها ببطء، وأحد الغوريلات ينظر ناحيتها بدوره.
ودون لحظة تردد، هزت رأسها دون أن تثير الانتباه، ثم دخلت محل الأزياء. ولم تستطع طرد شعور مقبض جعل قلبها يخفق بشدة.












01


تنهد (يوسف) رجل المخابرات المصري الشاب وهو ينتظر داخل سيارته السوداء الصغيرة في شارع شهير بـ(لندن)
، في يوم صيف خجول من (مايو). رفع كفه إلى فمه متثائبا، قبل أن يلقي نظرة على ساعة يده.
كان يراقب منذ مدة رجل أعمال إسرائيليا يدعى (آدم كوهين)، وقد دخل في تلك اللحظة مطعما لندنيا راقيا.
لم يكن يعرف بالضبط الهدف من مراقبة الرجل، أو أية معلومات تفصيلية عنه، لكنه يدرك تماما أهمية القاعدة الأولى في عالم المخابرات :
" المعرفة بقدر الحاجة "
وهو لم يكن بحاجة لمعرفة الكثير حتى ينفذ الأوامر.
وطوال اليوم ظل يتتبع الرجل كظله. التقط أكثر من صورة له في لقاءاته وتحركاته، وسجل الأسماء والعناوين في مفكرته الصغيرة.
فرك (يوسف) عينيه، وارتشف من كوب القهوة الساخنة الموضوع على تابلوه السيارة، قبل أن ينظر لساعته بقلق.
لقد مرت عشر دقائق على دخول (كوهين) للمطعم. عشر دقائق منذ دخل هو السيارة مع كوب القهوة الذي حصل عليه من آلة التوزيع بالشارع.
والمفروض أن تدخل زميلته (هند) وراء الإسرائيلي بعد هذه الدقائق العشر.
وضع كوب القهوة جانبا. التقط جهاز اللاسلكي الملقى على المقعد المجاور، وقال وهو يضغط زرا:
- (هند) .. ماذا تفعلين عندك ؟؟
جاوبه الصمت مطبق.
عاود (يوسف) النداء:

- (هند) .. ماذا تنتظرين ؟ .. تحركي
نظر من بعيد. كانت سيارتها تقف غير بعيد من المطعم. نزلت فور توقف سيارة الإسرائيلي وتظاهرت بمراقبة معروضات محل أزياء عالمي، قبل أن تدخل المحل بالفعل لكي لا تلفت انتباه الغوريلات التي تحرس (كوهين) وهي تنظر في جميع الإتجاهات بينما يدخل هو من بوابة المطعم.
(هند) بغض النظر عن كونها زميلته، فهي خطيبته وحبيبته، مشروع زواجه القريب جدا.كان قد فاتحها فقط بالأمس في موضوع الزواج، واتفقا على أخذ إجازة طويلة فور إتمام هذه المهمة.

وهو الآن شديد القلق على غيابها، وعدم ردها على جهاز الإتصال.
خرج (يوسف) من سيارته على عجل ماسكا جهاز تتبع يرشده إلى مكان (هند) عن طريق إشارة اللآسلكي. دخل المحل الذي رآها تلجه من قبل، وحول عينيه في الصفوف المتراصة من الثياب غالية الثمن، محاولا عدم لفت الإنتباه. تظاهر بالبحث في صف من البذل، وعيناه المدربتان تفحصان المكان، قبل أن يلفت انتباهه باب جانبي، انتهز أول فرصة ليعبره. ثم، على ضوء إرشادات الجهاز، انتهى إلى زقاق ضيق يفضي إلى الساحة الخلفية المشتركة لمجموعة المحلات من ضمنها المطعم حيث تراصت حاويات للقمامة وصناديق مختلفة، نط من إحداها قط بحجم ملفت.

فطن (يوسف) إلى أن (هند) دخلت المطعم من بابه الخلفي، باب المطبخ.
لكن الجهاز الذي يحمله بيده نبهه إلى أن (هند) موجودة هنا



!!





أخذت ضربات قلب (يوسف) تتسارع، وهو يتساءل ما الذي يعنيه هذا
؟ (هند) هنا ؟ وبدأ خياله، من فرط خوفه، يرسم صورا مريعة.
توقف لحظة يتلفت هنا وهناك كقط مذعور، في حين ظلت بيانات الجهاز مصرة على أن (هند) قريبة.
لكن عينيه لم تلتقطا شيئا. فقط صناديق القمامة أسفل جدار المطعم ترمقه باستفزاز.
عاد يتأكد من جهازه بجنون : (هند) هنا حتما.
أخذ يدور في المكان كالمسعور. فتش في كومة من الصناديق تفوح منها روائح السمك نتنة. ووطأ على ذيل قط كشر عن أنياب مطلقا صوتا أجفله وبث فيه المزيد من الذعر. ثم غير بعيد اصطدمت قدمه بشيء صلب، تعرف فيه فورا لاسلكي (هند) شبه المحطم.
أخذه من الأرض بحركة ميكانيكية. وجهه ممتقع. قبل أن يعود ليبحث في المكان ويثير المزيد من الفوضى قالبا صناديق القمامة واحدة تلو الأخرى يقول جزعا :
- رباه .. (هند) .. لا
وفجأة التقطت عيناه شيئا.
جزء من كعب حذاء نسائي يتدلى فوق حاوية قمامة.
كالمجنون اندفع نحو الحاوية قلبه يدق كالقنابل.
رفع غطاء الحاوية ووجهه في شحوب أشد من شحوب الموتى.

واكتشف أن مخاوفه تتحول إلى حقيقة، حقيقة مرة قاسية.
كانت هناك جثة لفتاة في العقد الثالث من عمرها، شعر أسود طويل مشتت، خصلات دامية منه تغطي معطفها الممزق، وتصبغ بالأحمر قميصها الأبيض عند الرقبة دماء تسيل من فكها المحطم ببشاعة تشي عن خضوعها لتعذيب سادي.
سقط (يوسف) على ركبتيه.

منهارا ..
ذاهلا ..
لا يصدق ..
(هند) ..
لماذا؟؟ ..
(هند) ..

منظر الجثة الموحي بما تعرضت له من وحشية أجج في صدره وعقله أتونا من النيران، بركانا من الغضب، جحيما لا يهدأ.
وكل ما ملأه بعد تلك اللحظة ..

هو رغبة عارمة في الثأر ..
بأي ثمن ..

أي ثمن ..



02


كان الحزن يقطر من كلمات مدير مكتب أوربا وهو يقول للعميل (مجدي) :
- إجراءات نقل الجثمان تمت بدون مشاكل ..

وكأنما ليقاوم غصة احتبست بحلقه أردف :
-لم تتوصل تحريات الشرطة لشيء بعد.
قال (مجدي) بهدوء وبصوت خافت :
- أما عن تحرياتنا نحن ؟؟
كان المدير واقفا أمام الشرفة الزجاجية، يشاهد ضباب (لندن) في تلك الساعة المبكرة من الصباح. يوما وحسب بعد الحادثة الأليمة، وصمت طويلا قبل أن يجيب عن السؤال، وهو يعود ليجلس على مقعده خلف المكتب:
- ما زال البحث جاريا ..

وأردف :
- لا توجد دلائل كثيرة بمسرح الجريمة، مما يدل على أن ما حدث للشهيدة (هند) هو عمل محترفين، عمل وحوش محترفين بالأحرى. غير أننا بالرغم من ذلك حصلنا على عينة للحمض النووي التي عزلتها الشرطة إثر تشريح الجثة ..




- وتمكنتم من معرفة الجاني؟

- ليس بعد .. مقارنة الحمض النووي تتطلب وقتا .. لم تصل الشرطة لشيء من جهتها، ونحن نحاول مع سجلاتنا الرقمية الحديثة.
وأردف بعد لحظة صمت لم ينبس فيها (مجدي) بكلمة، وظل يراقبه بهدوء خيل للمدير أنه يكتم إعصارا من المشاعر العنيفة :
- من جهة أخرى : افترضنا أن (آدم كوهين) تنبه إلى أنه مراقب من طرف عميلتنا فشرع بتصفيتها .. وهو يملك طاقم حراسة شخصية محترف إلى حد ما .. أعضاؤه مجندون سابقون بالجيش الإسرائيلي.




وأردف وهو يفتح ملفا ويتفحص صورا :
- (آدم كوهين) ضابط مخابرات سابق اعتزل العمل في المخابرات بعد أن ذهب كبش فداء إثر عملية مصرية ناجحة على الأراضي المحتلة .. لهذا يكن كرها شديدا للمصريين .. تحول إلى رجل أعمال وكون ثروة من تجارة المخدرات والأسلحة .. نشك في أنه جاء إلى (لندن) لعقد صفقة مع منظمة إرهابية بهدف القيام بعمليات تدميرية كبيرة في (مصر)

قال (مجدي) :
- أعرف هذا .. لكن الطريقة الوحشية التي تم بها قتل العميلة (هند) .. والإعتداء .. ينم عن طبيعة متوحشة همجية .. (آدم كوهين) ضابط مخابرات سابق ويعلم أنه بهذا سيثيرنا ضده بقوة .. لو علم أنه مراقب لفكر بالأحرى في خطف (هند) وإخفاءها ومعرفة ما مدى إطلاعنا على مخططاته بدل قتلها بذلك العنف السافر.
ابتسم المدير بشحوب وقال :
- لقد قلت إنها فقط فرضية ..
ومد الملف إلى العميل (مجدي) مردفا :
- ستجد هنا كل التقارير والصور التي جمعها العميل (يوسف) وال
شهيدة (هند) حول (آدم كوهين) .. أرجو أن نجد من فعل هذا بالشهيدة (هند) في أقرب فرصة
التقط (مجدي) الملف ووقف صامتا لحظات قبل أن يقول :
- اسمح لي بالانصراف الآن
ودار على عقبيه مستعدا للمغادرة بالفعل، حين استوقفه المدير قائلا :
- تذكر جيدا أيها العميل (مجدي) .. وهل يجب أن أذكرك بهذا ؟ فتاريخك يشهد لك .. لكن من يدري ؟ لا تنس أنه يجب أن نفصل بين عملنا ومشاعرنا
التفت (مجدي) له وقال بهدوء:
- خطأ يا سيدي .. عملنا كله يعتمد على المشاعر والعواطف .. أليس ما يحركنا في كل لحظة حب الوطن .. أسمى المشاعر جميعها .. سأجد من فعل هذا بـ(هند) وأنتقم منه ..
وسأفعل هذا من أجل الوطن
لم يعقب المدير وإنما أومئ برأسه موافقا، فغادر (أمجد) بخطوات واثقة، أقفل الباب وكله عزم وتصميم على كشف الحقيقة، والقصاص للشهيدة (هند).

وللوطن.
صورة العضو الرمزية
الأمير الحائر
مشرف قسم الروايات
مشاركات: 859
اشترك في: 31 أكتوبر 2008, 8:06 pm
Real Name: وليد توفيق
Favorite Quote: و تبقى الكلمات...
verification: ID verified and trusted writer

Re: ثمن الإنتقام (رواية مخابرات ج1)

مشاركة بواسطة الأمير الحائر »

بداية رواية رائعة..! ولغة تنم عن كاتب مميز..وأسلوب مشوق جدا.. خاصة وجو أعمال المخابرات والجاسوسية يحتاج جدا إلى هذا الأسلوب المشوق والمثير حتى يتابعه قارئه بشغف وفضول لمعرفة الأتى, وأعتقد من وجهة نظرى المتواضعة كقارئ أنك تنجح فى ذلك بشكل رائع. صورة
ملحوظة واحدة بسيطة لا تنقص من لغتك الرائعة:
" نط من إحداها قط بحجم ملفت " المفترض بها ( قفز )

تحياتى لك على البداية الرائعة, وسعيد بتواجد زميل روائى جديد فى الأكاديمية معنا ذو قلم مميز مثلك.. صورةصورة
ثمة أسماء و ألقاب تبقى..بقاء الأرض..بقاء السماء..و بقاء الكلمات...
ثمة أشياء تتعلق حياتها بأماكنها..بتوابيت مغلقة تخشى الإبتعاد عنها...
رغم أن الحياة..قد تكمن فى هذا البعد...

.....

...:: و تبقى الكلمات ::...

...... صفحتى فى الأكاديمية ......
صورة العضو الرمزية
Ghadat2009
مشرفة قسم الكتابة
مشاركات: 1481
اشترك في: 02 فبراير 2009, 12:00 pm
Real Name: غادة يسري
Favorite Quote: كن جميلا ..... ترى الوجود جميلا :)
verification: ID verified and trusted writer
مكان: مصر الجميلة

Re: ثمن الإنتقام (رواية مخابرات ج1)

مشاركة بواسطة Ghadat2009 »

منتهى الروعة ... بدون مجاملة ...صورةصورةصورة
الأحداث مشوقة جدا ...و الأسلوب مناسب فعلا لموضوع الرواية ... أحسست بمدى وحشية كل من ينتمي لإسرائيل ..
الجميل جدا ... هو عدم توقع التالي ..
هل سبق لك نشر رواية ؟
اتمنى لك التوفيق و لا تتأخر علينا بالجزء التالي من فضلك !
صورة

.
.
.
[highlight=#ffff40]*** لــزيارة صــفـــحـــتــي *** [/highlight]
لوسفير
أكاديمى نشيط
أكاديمى نشيط
مشاركات: 174
اشترك في: 09 فبراير 2009, 2:57 am
Favorite Quote: لا حياة بدون يأس ولا يأس بدون حياة (وعجبى)

Re: ثمن الإنتقام (رواية مخابرات ج1)

مشاركة بواسطة لوسفير »

جميل لكن يبد ان (كوهين) اسم من (الفلاشه )...اليهوديه ويكون من النادر التواجد بكثره فى اليهود.....على العموم (الفلاشه) هم اليهود سكنه افريقيا
لوسفير
أكاديمى نشيط
أكاديمى نشيط
مشاركات: 174
اشترك في: 09 فبراير 2009, 2:57 am
Favorite Quote: لا حياة بدون يأس ولا يأس بدون حياة (وعجبى)

Re: ثمن الإنتقام (رواية مخابرات ج1)

مشاركة بواسطة لوسفير »

جميل لكن يبد ان (كوهين) اسم من (الفلاشه )...اليهوديه ويكون من النادر التواجد بكثره فى اليهود.....على العموم (الفلاشه) هم اليهود سكنه افريقيا.....وجيد انك تكتب فى ..قسم روايات فهذا يسعدنى ك كاتب فى قسم الروايات....واعلم ايضا ان الامير الحائر يسعد بهذا....واتمنى المزيد فى هذا القسم
أضف رد جديد

العودة إلى ”روايات“