مجال القصة القصيرة
بعنوان
(إحتفال)
المركز الثالث
رحاب صفا
***
- عمو واينها العروسة ؟!!
ابتسم في حنان بالغ وهو يداعب رأس الطفل ،وبعدها شرد ...شرد بعيداً ...تذكر حين كان في مثل سنه ورأى شيئاً كهذا الذي يدور اليوم وإن كان الإختلاف طفيفاً...ولكنه نفس الإحتفال غير أنه كان شاباً آخر هو الذي احتل مكانه اليوم..وكان هو كذلك الصغير ...لا يدرك معنى أن يكون هناك إحتفالاً فردي دون عروس...وعاد وابتسم وهو يهز رأسه ...لم يجد إجابة يومها ..ربما لأنهم أشفقوا على طفولته لأن تصطدم بحقيقة واقعهم ..تذكر وجهه الذي بدا له غريباًً يومها..إنه يحفظ ملامحه عن ظهر قلب ...لم يملك أن يدر عيونه الصغيرة عنه يومها...فقد بدا له غريباً ولكنه محبباً وشعر نحوه بحنين...ياااااه إنه يشتاق إليه كثيراً ..فهل يراه هناك يا ترى؟ ...أخبره شيخه أنه سيظل حياً بعدها ،وهو لابد أنه حي..ولكن في مكان ما لا تدركه أبصارنا في الحياة الدنيا..سيبحث عنه كثيراً حتى يلقاه ويخبره أنه بات مثله ...تهللت أساريره عند هذه النقطة وشعر بالفخر وتحسس بيديه شارته الخضراء المخطوطة بقول "لا إله إلا الله محمد رسول الله" والتي تزدان بها رأسه وأطلق تنهيدة عميقة وأغمض عينيه وتذكر إخوانه ...تذكر يوم قتلوا أباه بلا رحمة أمام عينيه..يومها التفوا عليه بوحشية ..دكوا عظامه..حطموها عن آخرها "الملاعين" وكادت عبرة تسقط من عينيه إلا أنها تجمدت حين تذكر هامة أباه العالية التي لم تنحني رغم كل العذاب التي لاقته حتى استكانت سكون الموتى وتجمدت عبراته أكثر خشية أن تبدل حال الملتفين حوله والمحتفلين به...وشرد من جديد....تذكر صباه حين كانوا يباغتوهم بدباباتهم وأسلحتهم التي كانوا يوجهونها في كل صوب وجهة بآياد باردة ودون تمييز ..طفل أو طفلة امرأة أو رجل شاب أو عجوز لا يهم ..المهم الإبادة ,والإبادة التامة...تذكر ذهولهم المتكرر حين كانوا يظنوا فيهم الفرار إذا ما خرجوا عليهم بالدبابات فإذا بإخوته مقبلين غير مدبرين ..ولو لم يملكوا من أدوات الحرب غير الحجر...واليوم سيقبل بدوره ولن يدبر هذا ما وعد به شيخه حين علم من إخوانه أمر تلك الشاحنة الرهيبة من الأسلحة التي أتوا بها ليزيدوا عدد القتلى والجرحى منهم...يومها انتفض وهب يقول حين ألقى قائدهم تساؤله عن كيفية القضاء عليها :
- أفجرها وأنفجر معها.
قالها دون تردد وفي حزم واضح ،ولم يبدو على زملائه أو قائده المفاجئة ..فقد اعتادوا ذلك بل نظروا إليه جميعاً طويلاً وكأنهم يملأوا أعينهم به قبل أن يفارقهم ..وتقدم قائده نحوه ببطء وقبض على كتفه بقوة وهو يقول :
- أتعي ما تقول؟
زاد حماسه وهو يردد:
- وأنتظره يا سيدي .
ربت على كتفه بحنان واحتضنه وهو يقول :
- سلامي إلى كل من سبقونا .
أومأ برأسه موافقاً وهو ساكن بين أحضانه وكأنه مستمتعاً مكتفياً بما يشعر من دفء افتقده في حياته كلها. تجمع حوله زملائه وإخوانه يحتضونه ويثبتونه و....يودعونه....وهبوا بعدها يعدون الإحتفال. شعر بيد حانية هذه المرة تربت على كتفه فنظر....أمه ....نهض في بطء ومال على يديها يطبع عليها قبلات متلاحقة و لم يملك أن يجمد عبراته هذه المرة ..انطلقت تغسل كف أمه التي انتزعت يديها وجذبته وأمسكت بكل رأسه ومسحت دموعه وهي تقول بصلابة:
- ليس على هذا كان العهد ....أتذكر يا بني؟ ...إما النصر أو الشهادة.
أومأ برأسه ..فهي كلمات أبيه التي كان يرددها لهم ليل نهار حتى باتت محفورة في نفوسهم الصغيرة وكبرت معهم. ألقى بنفسه بين أحضانها واعتصرته هي بكل جوارحها وهي تقول :
- سلامي إلى أباك وأخبره أني وفيت بعهدي وبعثتك إليه وأخاك من قبلك ، أخبره أني سآتيه قريباً ..وحاولت الإبتسام وهي تقول:
- قل له أن يرتدي حلة زفافنا يومها لنعش من جديد في عالم هاديء بلا أسلحة. وجاء من يربت على ظهره وهو يقول :
- البيان يا عريس.