مراه مكسورة

[MOHAMMED AHMED]

سمعت صوت تلك السيارة...اقتربت كثيرا منى ثم توقفت بالقرب من مقلب القمامة .....ضغط سائقها على شيء أمامه بعدها بدأ ذلك الصندوق في الارتفاع شيئاً فشيئاً مفرغاً ما به من حمولة ...نظرت إلى من حولي من الأطفال ونظروا هم إلى بعيون متنمرة تترقب بحذر انتهاء سقوط ما تحويه تلك السيارة ....نظر سائقها إلينا متعجباً مرتسمة على وجهه العجوز علامات الأسى ....أنتهي أخيراً من عمله أنطلق مسرعاً وانطلقنا نحن....تدافعنا بقسوة ..دفعت العديد منهم بعيداً ..فتشت بين تلك الأشياء عن أي ثمين طعاماً كان أو أي شيء أخر...تبسم لي الحظ ووجدت العديد..بضعًا من ثمرات البرتقال ،وساعة يد ،و قطعًا من الحلوى ،وأيضا مرآة مكسورة...حملت ما وجدت وجريت مسرعاً نحو (العشة )...كنت أعلم أنه غير موجود...نظرت خلفي حتى لا يراني احد.... بدأت بقطع الحلوى ..نظرت إليها جيدًا متفحصًا كل جزء من أجزائها ...وضعتها بالقرب من أنفى ...اشتممتها جيداً ...رائحتها غريبة اختلطت بروائح أخرى من البصل والثوم والجاز!.... لم ألق بالاً لكل هذا فقط وضعتها في فمي ،وبلعتها كاملة ثم تبعتها بالأخريات حتى انتهيت منها ..أما تلك الثمرات برتقالية اللون فقد حان وقتها .مسحتها جميعًا بقميصي متعدد الألوان ما بين أحمر،وأسود على خلفية من الرمادي ..الحق يقال أنه كان أبيض اللون حين سرقه أخي الأكبر من إحدى حبال الغسيل ...تراكم العفن الأخضر على إحدى البرتقالات ،نزعت ذلك الجزء بأسناني ،ثم أكلتها ....خبأت ما تبقى من تلك الثمرات والساعة في الحفرة التي تحوى أشيائي ،وأخرجت منها علبة السجائر (الأمريكانى) التي وجدتها ملقاة وسط الطريق ،أخذت سيجارة ،وأعدت العلبة إلى الحفرة ،ثم ردمتها بالتراب...ذهبت إلى أصدقائي لأشاركهم تلك السيجارة..تجمعوا حولي وأستنشقنا دخانها مميز الرائحة على التوالي .....شعرت بالراحة حين داعبت النسمات وجهي.نظرت طويلاً إلى تلك المياه مراقباً حركتها المتناغمة وانزلاقها السلس فوق تلك الأحجار ،والتغريد الذي طربت له أذناى ..رفعت عيني نحو ذلك العصفور أو البلبل الذي لمعت ألوان ريشه الزاهية في عيني: الكثير من الريشات الذهبية وسط الخضراء والزرقاء
حسدته على هيئته وحريته ..تمنيت لو خلقني الله مثله حراً أسبح في الفضاء...تلاشى كل شيء من امامى لم يتبقى منها غير تلك المياه الداكنة كريهة الرائحة...سمعت الصرخات التي جمدت أعضائي ..أنه هو أبى أو من تسبب في مجيئي إلى تلك الدنيا ...انهالت علّى الشتائم واللعنات ، ثم اللكمات المتتالية، والصفعات ،والركلات العنيفة حتى صرت أشبه بكرة قدم..... دفعني إلى الأرض وأنهال على بذلك الحزام الشبيه بالسوط ..تمزق جلدي بفعل تلك الضربات حتى سالت الدماء من جسدي النحيل... استجمعت ماتبقى من قوة ونهضت متحاشياً ضرباته المتتالية ..دفعته وجريت بعيداً ..حاول أن يلحق بي لكن دون جدوى فهو لا يقوى على الجري مثلي بسبب تلك الخمور المغشوشة التي يشربها ..أجهشت بالبكاء حتى كونت دموعي بحراً متلاطم الأمواج كدت أغرق فيه وياليتنى مت..كنت متيقنًا أنه لا يضربني بدافع الأبوة بل قسوة
وقهر ليشعر بأن هناك من هم أضعف منه ...تمنيت لو يموت بالأحرى يُقتل عقاباً على قتله أمي ،وما فعله بي ،وأخي الذي هرب من جبروته.
أخرجت تلك المرآة المكسورة ونظرت فيها ...رأيت فيها صورة غير كاملة :نصف وجه لرجل عجوز تكاثرت عليه السنون ..تجاعيد وأثارًا
لجروح غائرة تمتد في أنحاء وجهه ..عينًا مترقرقة بالدموع ...شعراً كثيفًا ...ولحيًة غزيرة ينتشر فيها الشيب...هذا أنا ..
لا أعلم لماذا تذكرت ذلك اليوم تحديداً ..هربت من أبى ،ولم أره من حينها ..سمعت أنه وُجد مقتولاً بسكين... لم يتغير حالي كثيراً ..كل ما تغير أنني احترفت التسول ..أجنى منه بعض المال غير القليل..
....لكنى حتى الآن لم أنل حريتي......

[تنهيدة]

برحب بيك يامحمد عضو جديد معانا ...فى أجمل مكان أدبى فى الدنيا
قصتك تشرح وضع مر ولكنه الحقيقة وماأصعب ذلك الحقيقة ...فقد وصفت حال هؤلاء الأطفال بشكل دقيق عبرت عن احسايسهم التى يشعرون به وهم فى هذا العذاب المرير بين قسوة الأسرة وقسوة الشارع ..حقيقى شىء مؤسف ومُحزن جدااا ...
أُحيك على طريقة وصفك الدقيق لحال هذا الطفل فقد وصفت مشهد الطفل وهو يلتقط من القمامة الأشياء التى يريدها ويجرى به وكأنة شىء ثمين يخاف عليه ...وايضا وهو يأكل ما يصلح منه ويخبأ الباقى ...حقيقى وصفك جعلنى أرى المشهد أمامى وأتأثر به وحلمت لو أتمكن من مساعدة ذلك الطفل ولكن هى ليست معاناة طفلا واحد بل الألف ...
بحيك مرة ثانية على قصتك المميزة فكرتنا وأسلوبا ..واتمنى لك كل التوفيق والمزيد من الأعمال الجميلة التى تناقش قضيايا مهمة

[Ghadat2009]

أرحب بك يا محمد زميلا في أكاديميتنا المميزة

قصتك جميلة جدا و مؤثرة ... لم أستطع التوقف عن التهام السطور إلى أن وصلت للنهاية

قضية هامة جدا تلك التي تناولتها هنا بكل هذه التفاصيل التي رويتها لنا برشاقة لا يعيبها سوى وصف شعور الولد و هو يدخن ...و كأنه أمر ممتع

أولاد الشوارع ... لا يفكر فيهم الكثيرون ... و أنت هنا قد استعرضت أحد أسباب وجودهم ( أسرة منهارة و أب غير مسؤول ...شديد القسوة ) و بالطبع فالنهاية الطبيعية لمثل هذا المسكين و غيره هي حالة الضياع و التشرد على المستوى المادي و النفسي ... كما أوصلتها الينا بتمكن عند نظر البطل الضائع المكبل بظروفه إلى المرآة المكسورة

في انتظار المزيد من إبداع قلمك

و بالتوفيق إن شاء الله