ورقة حياة

المشرفون: Ghadat2009،نبضة...

أضف رد جديد
hamadazedane
أكاديمى فعال
أكاديمى فعال
مشاركات: 20
اشترك في: 05 يناير 2009, 9:26 pm

ورقة حياة

مشاركة بواسطة hamadazedane »


- هيا يا عم محمد لقد انتهى الوقت وحان وقت الرحيل , لا تنسانا يا عجوز .
ابتسم الرجل , ولملم أوراقه , وفي هدوء خرج من مكتبه العتيق , نظر إليه الشاب وقال بصوتٍ غير مسموع :
- غور يا رجل , فقرتنا طوال خدمتك .
لم يسمعه العجوز وخرج , الشارع زحمة , السيارات تمر أمامه بسرعة كبيرة , حاول المرور كثيراً ولكنه لم يستطيع , أتاه شاب , أمسك بيديه , قال له :
- أنتبه يا حج سنعبر الشارع .
قالها وعبرا الشارع سوياً , السيارات تعبر بسرعتها المفزعة , كان الشاب يعبر الشارع كما لو كان لاعب ماهر من لاعبي السيرك يعبر السيارات بخفة ورشاقة جوراه يمشي العجوز بتأني يحاول أن يسرع ولكن خطوته لا تساعده , حاول أن يجاري خطوات الشاب , ولكن خطواته بطيئة عكس الشاب , استمع إلى أصوات كثيرة تصرخ :
- حاسب ... حاسب ... حاسب .
نظر العجوز حوله , وجد الشاب مفترش الأرض , الدماء تملئ ملابسه ووجه يغطيه الدماء , امتلأ المكان حوله بالناس , ظلت النساء يصرخن , والرجال يحاولون إيجاد طبيب وبعضهم اتصل بالإسعاف , وبعضهم كان يحاول أن يهدئ العجوز , ولكن العجوز لم ينتبه , حتى أنه وقف شارد الذهن , كان ينظر إلى الشاب ويبكي , وبصوتٍ مسموع قال :
- أنا من قتلتك يا ولدي , أنا نظير شؤم يا ولدي , لماذا جئتني ؟ ... هل جئتني لتزيد من طني بللاً , سامحك الله يا ولدي , سامحك الله .
- خليك مؤمن يا حج .
- قضاء ربنا أتعترض يا رجل ؟ .
- هل الشاب أبنك ؟! .
أنتبه العجوز على سؤال الرجل , وبصوتٍ جريح , قال :
- ليس ولدي ولكني أنا قاتله , لماذا جاءني ؟ , لماذا جاءني ؟ .
ظل يرددها حتى جاءت الإسعاف وانتشلت الشاب من الأرض , لم يجد الناس غير العجوز فوضوعه مع الشاب بالسيارة , وبدأت السيارة تشق زحام الشوارع , وبدأت الذكريات تتدافع في رأس العجوز , ها هو يرى نفسه طفلاً في الرابعة من العمر , لم يقول "أمي" لأنه لم يجد أمه , وكان عندما يسأل عنها كانوا يردوا عليه ساخرين :
- لم تحتملك أمك , ورحلت , يا فقري .
كان لا يفهم كثيراً , ولكنه كان يبكي , ولم يسمعه أحد , كان لا يحنو عليه إلا أباه , كان دائم اللعب معه , ولكن والده وبعدها بسنتين مات , شعر بالوحدة كثيراً , ولكن أيامه مرت , وكبر على يد أحد أخواله , وكان من سوء حظه أو من ترتيبات القدر أن أصيب أبن خاله في أول يوم له بمنزل خاله , خافت الأم على باقي أبنائها , عزلتهم عنه , عاش وحيداً طول وجوده بمنزل خاله , ولكنه كبر على كل الأحوال , أتم تعليمه , ومات خاله , طردته زوجة خاله , وانتقل للعيش في غرفة فوق أسطح أحد العمارات , بحث عن عمل كثيراً ولكن محاولاته باتت بالفشل , الشاب يئن بصوتٍ مرهق , لم يستمع إليه , شلال الذكريات مازال يتدافع به , كان يوماً يأكل وأيام يعيش على الفتات , ظل هكذا إلى أن كان اليوم الذي جاءه جواب القوة العاملة , فرح فرحاً شديداً , وشعر أن الدنيا قد أعلنت عن ابتسامتها المفقودة , فتح الجواب على عجل , نظر إلى ما مكتوب بداخله , انتابته حاله من الضحك عندما قرأ ما بداخله , علا صوته بالضحك داخل الإسعاف , نظر إلى الشاب الملقى أمامه , كان يشبه أبنه , تذكر أنه لم يتزوج أصلاً , وبصوتٍ مسموع قال :
- كما لو كان أبني , ولكنني السبب فيما هو فيه , يا لهذا القدر .
أول أيامه بالعمل , تذكرها جيداً , يا ألهي , الموت , يحيط بكل شيء , أموات يدخلون , يغسلون ويكفنون ويخرجون , تحملهم أكتاف ذويهم , عمله كان تقييد أسامي الأموات , منذ صباح اليوم وإلى نهايته يقيد في الأسماء , كانوا يطلقون عليه في عمله "مندوب عزرائيل" , تذكر وجوه أصحاب الموتى , من خبرته علم من صاحب الحزن الحقيقي ومن صاحب المزيف , كان يعرف جيداً كيف يلعب على وتر الأحزان , وكيف لا يعرف وهو من تربى على الأحزان منذ ميلاده , نظر إلى الشاب الراقد أمامه , كان في نفس سنه عندما تقدم لخطبة فتاة , لم يراها , ولكنه سأل عن أخلاقها , وجدها مناسبة , ذهب سعيداً , ولكنه عاد خائباً , رفضته , والسبب كان في طبيعة عمله , لم يهتم لرفضها كثيراً , وبحث عن غيرها , وغيرها , وغيرها , ولكن كما رفضته الأولى رفضته الثانية والثالثة والرابعة , حتى مل البحث , وقرر عدم الزواج , واستمرت حياته , بعض العقبات واجهته , كان معظمها مرتبطاً بطبيعة عمله , كان في كل مرة يقرر من داخله أن يتنازل عن هذا العمل , ولكنه كان يعود عن قراره في لحظتها , استمع إلى الشاب الذي كان يتحدث بصوتٍ موجوع :
- ماء ... أريد أن أشرب .
صرخ العجوز عندما رآه ينطق , ضرب على الزجاج الخلفي للسائق , وقال :
- لقد أفاق الشاب يا رجل , أسرع بالله عليك .
لم يستمع إليه الرجل واستمر يشق زحام المدينة , عطش الشاب أنتقل للرجل , وشعر بالعطش الشديد , وتذكر لحظة معرفته بإصابته بمرض "السكر" أعتبرها وقتها أعراض لكبر سنه وبداية موفقة لموت يراه في الأفق , تذكر كلمات الطبيب :
- حافظ على نفسك , ولا تأكل أشياء محلاه .
- وما هو المحلى في حياتي يا دكتور .
قالها للطبيب ورحل من أمامه وقرر من وقتها أن لا يذهب لطبيب , وأن يتبع تعليماته كاملة , كان يجهز نفسه للموت , ولكنه كان يود أن يموت موته محترمة , وأن يحتفظ بجسده كاملاً فوق المغسلة , ظلت الأيام تفعل معه أفاعليها حتى خرج على المعاش , أخيراً رحل عنه هذا العمل , وأخيراً شعر أن هذا الهم قد انزاح وإلى الأبد , ولكن لم يتخيل أبداً ما حدث – لماذا هذا النحس الذي يحيطني ؟! .
قالها بصوتٍ مسموع , نظر إلى الشاب وجده يحاول أن يفتح عيناه , شعر بأن غيبوبة تريد أن تمتلكه , حاول أن يبتلع ريقه , ولكنه وجده ناشف صلب , نظر إلى الشاب وجده ينازع من الألم , الألم يعتصره , صرخ في سائق السيارة ومن يجلس أمامه جوار الشاب :
- قلم ... أريد قلم وورقة حالاً ... أرجوكم .
فوجئ الرجل لطلب العجوز , وبحث عن قلم بملابسه حتى وجده , ناول العجوز الورقة والقلم , أخذهما منه العجوز , ورغم الآلام التي كانت تعصف به إلا أنه كان منهمكاً في الكتابة حتى انتهى مما كتبه في نفس لحظة وصول السيارة إلى المستشفى .

***

- يا لها من معجزة لولا وجود ذلك العجوز وتلك الورقة التي كتبها لما عاش الشاب .
قالها أحد الأطباء , فابتسم الآخر قائلاً :
- لقد كان العجوز مصدر للتشاؤم طوال حياته , وعندما مات أصبح مصدر للحياة , لولا تبرعه لهذا الشاب بجسده كله في تلك الورقة , لما أخذنا قلبه وجعلناها ينبض داخل الشاب بعد أن توقف عن نبضه داخل العجوز .
دقات خفيفة استمع إليها الطبيبان على باب الغرفة فأذنا للطالب بالدخول , دخل شاب متكأ على عصا , وابتسم للطبيبين وقال :
- لقد أتممت علاجي أتأذنان لي بالرحيل .
تمت
حمادة زيدان
5/4/2009
صورة العضو الرمزية
Ghadat2009
مشرفة قسم الكتابة
مشاركات: 1481
اشترك في: 02 فبراير 2009, 12:00 pm
Real Name: غادة يسري
Favorite Quote: كن جميلا ..... ترى الوجود جميلا :)
verification: ID verified and trusted writer
مكان: مصر الجميلة

Re: ورقة حياة

مشاركة بواسطة Ghadat2009 »

"ورقة حياة " عموان ملفت جدا .... أهنؤك على اختياره صورة
أسلوبك جميل في السرد و فيه تشويقا يدفع الى المتابعة صورة

و من حيث الفكرة ...فقد استعرضت الكثير من المشاكل و القضايا الشائكة :

كتعيين القوى العاملة للخريجين في غير الأماكن المناسبة - نظرة التشاؤم من بعض الناس - حال كبار السن - مشاكل اجتماعية و انسانية و......... التبرع بالأعضاء ....

هناك الكثير من الغموض في قصتك حول كيفية موت هذا العجوز بطل قصتك .... فهل كتب الورقة ثم ...قرر الموت؟

هل التبرع بجسده هو ما سيجعله يحس بأنه فعل الصواب و لو لمرة ؟ هل هذا ما أردت قوله ؟

التبرع بأعضاء الجسد ...ملف لازال للآن مفتوحا ....لكني أعتقد أن الجسد أمانة لا يجوز لنا التصرف فيها


بالتوفبق إن شاء الله يا حمادة صورة
صورة

.
.
.
[highlight=#ffff40]*** لــزيارة صــفـــحـــتــي *** [/highlight]
hamadazedane
أكاديمى فعال
أكاديمى فعال
مشاركات: 20
اشترك في: 05 يناير 2009, 9:26 pm

Re: ورقة حياة

مشاركة بواسطة hamadazedane »

Ghadat2009 كتب:"ورقة حياة " عموان ملفت جدا .... أهنؤك على اختياره صورة
أسلوبك جميل في السرد و فيه تشويقا يدفع الى المتابعة صورة

و من حيث الفكرة ...فقد استعرضت الكثير من المشاكل و القضايا الشائكة :

كتعيين القوى العاملة للخريجين في غير الأماكن المناسبة - نظرة التشاؤم من بعض الناس - حال كبار السن - مشاكل اجتماعية و انسانية و......... التبرع بالأعضاء ....

هناك الكثير من الغموض في قصتك حول كيفية موت هذا العجوز بطل قصتك .... فهل كتب الورقة ثم ...قرر الموت؟

هل التبرع بجسده هو ما سيجعله يحس بأنه فعل الصواب و لو لمرة ؟ هل هذا ما أردت قوله ؟

التبرع بأعضاء الجسد ...ملف لازال للآن مفتوحا ....لكني أعتقد أن الجسد أمانة لا يجوز لنا التصرف فيها


بالتوفبق إن شاء الله يا حمادة صورة


أولاً ميرسي ع الرد الجميل
ثانياً عندما كتبت القصة كان هدفي الأول هو موضوع التشاؤم من بعض المهن ... وعندما جعلت العجوز يكتب ورقة يتبرع بها بجسده كاملاً لعلاج هذا الشاب كان نوعاً من تحدي هذا التشاؤم الذي ظل العجوز محصوراً فيه طوال حياته ... شعر في النهاية أنه من الممكن أن يكون نذير خير وليس نذيراً للشؤم ...
ثالثاً : أنا لست مع التبرع بالاعضاء أو ضده أنا لم أتحدث بلساني ولكنه لسان بطلي العجوز وفكره هو

تحياتي غادة
وميرسي لزوقك
تنهيدة
مشرفة قسم أدب الأطفال
مشاركات: 1291
اشترك في: 04 نوفمبر 2008, 3:01 am
Real Name: نهاد نعمان
Favorite Quote: لوسرقت منا الأيام قلباً معطاء بسام لن نستسلم للآلام ...لن نستسلم للألام .....
verification: ID verified and trusted writer
مكان: بنت مصر

Re: ورقة حياة

مشاركة بواسطة تنهيدة »

أستمتعت جدااا بهذه القصة التى تحمل معانى عميقة ومهمة جداا تهم الكثير ...ففكرة التشائم فى حياتنا ليست فقط من مهنة معينة ولكنها تطاردنا فى الكثير من الأشياء ...ولكنى اعتقد أن المؤمن حق لا يتشائم ولا يعتبر نفسه مصدر للتشائم ...ولكن للأسف هذه طبيعة الكثير من البشر...أعجبت كثيرا أن هذا العجوز وجد فى اخر لحظات حياتة شيئا يخرجة من هذه الحالة التى ظل يعانى منها طوال حياتة ..صورة
أسلوبك مشوق وطريقة سردك لآحداث مميزة جدا ...ولكنى شعرت أنا أيضا بنوع من الغموض فى موت العجوز هل ..ذكرياتة اصابتة بحالة من الشعور أن هذه هى النهاية ..صورة
بحيك جداا ياحمادة ...ودائما أنت تمتعن بأفكار قصص جميلة من واقع حياتنا ..أتمنى لك المزيد من الأعمال الجميلة ...بالتوفيق دائما أن شاء اللهصورة
صورة
أضف رد جديد

العودة إلى ”قصص فصحى“