ذاكره الوطن

[Abu Shadi]

ذاكرة الوطن

- تبا...لماذا ألان..!
كل هذه العذق الثقافي أتى من حنجرة زميلي تذمراً بحجة أزمة سير غير متوقعه حينما كنا عائدين من زيارة عمل.
زميلي الذي صافح سن الاربعين من بضعه شهور يحترف الجهل, و الغباء الاجتماعي و خياله السياسي لا يعلو عن السؤال "من هو رئيس الوزراء؟"...او ربما أوتار حنجرتة هي التي تغربل المفردات الثقافية.
ها أنا و كل هذا الغباء بجانبي بعزلة..... محشورين كأزدحام الدماء في الشرايين.
- هل يشكون في وطنك من أزمات سير..!؟
تكلم و هو يتناول سندويشته بالجبنة. أرى الخبز و الجبنة تمتزج في فمه و مزيج الخبز و الجبنة يراني ساخراً من هذا السؤال.
هل هنا سؤال خلف السؤال....هل هنا رسالة متلبسة بسؤال ...أم انه مجرد هراء لتعبئة فتره زمنية من الهدوء ؟

لماذا كل هذا التركيز على كلمة "وطنك", لماذا لا يستعمل كلمة بلدك أو مسقط رأسك؟ تريدون مني أن أكون مثلكم و اندمج بعاداتكم و تقاليدكم و في نفس الوقت التركيز على أن وطني ليس وطنهم و اني مختلف عن أهل البلد.
بحثت عن مقطع في هذا السؤال الشفاف لم يتلوث بفايروس الغباء الذي اصاب هذا البلد من سنين, فلم أجد.
- لا..
جاوبته و أنا انظر الى قطرات المطر التي ترسم في خيالي خارطة وطني على زجاج السيارة......
و تابعت:
- في وطني يشكون من أزمة الاخلاق في السير .
أه ....يا زميلي لو كنت تعرف بالحقيقه ما يشكو منه وطني....حتما, إنهم على حق من قالوا أن الواقع ليس بشع إن كان غير شخصي. في وطني يموت الكبار و الصغار من أجل إبقاء الوطن حيا و ليس من أجل تحرير الوطن من أزمه سير.
قطعاً...من قوانين الطبيعة أن تموت الاشياء لتبقى حية. فالأوراق تسقط عن الاشجار لتحيي أوراق جديدة و الحيوانات تموت لتكون غذاءاً لحيوانات أخرى. حتى الحيوانات المنوية تموت بالملايين لتصل الى الرحم للتلقيح و يخلق بقدرة الله إنسان جديد.
في وطني يموت الانسان على طريقتين: الاستشهاد أو التهجير.
في بعض الاحيان يحصل لبعض الاشخاص الشرف أن يموتوا مرتين من أجل الوطن. اولاً حينما يهاجرون و ثانياً حينما يعودون للوطن ليستشهدوا هناك .
هاجرت من وطني منذ 26 عاما والليل والنهار خلفي



يحاولان اللحاق



بي



..
لأقف في الطرف الاخر من العالم ....بعد أن أدرك أن كل ما سبق هو ذكريات
وقفت في عالم الحضارة و الحرية و التقدم التكنلوجي ....لأجد نفسي بعد 26 عاماً مردداً عبارة جدي رحمه الله…."في الغربة لن تصبح مليونيراً، و في وطنك لن تمت من الجوع".
إني اردد عبارة جدي و أنا أبكي تحت ضوء القمر و هو يخبرني عن ليالي وطني البائسة ....و تحت حرارة الشمس التي تغذي اشجار وطني.
سؤال شفاف سخيف من زميل سطحي بلا عمق جعل احاسيسي تتبعثر و ترميني في عاصفه الحنين للوطن. غريب امري هذا اليوم ...و كأن ضرير يدليني عن الطريق .
وعيت من غيبوبه هذا اليوم ....و شعوراً غريباً لا أعرفه يتسلل إلى روحي.. لقد أتى الماضي فجأة هذا



اليوم.. إنني مبعثر بين الحظات التي لم أرى فيها الوطن.. إن الصمت يجتاح عالمي.. وكأن اللحظة المقبلة ستأتي معطوبة لتفسد الواقع الذي أتسكع فيه.. مربك أمري هذا... أن اكون



أسير لظلي الذي يتحرى لحظات لم تعيش ولن تمت. ما الذي تبقى من وطني الان لأتركه خلفي أو لابحث عنه أمامي ؟
كلما تعلمت أكثر وكلما سافرت لبلدان أبعد وكلما خالطت بشر من حضارات مختلفة كلما



إزدادت الاسئلة التي لا أجد إجابات لها



..
أريد أن اكون في وطني ..لأمسح دمعه ..لأشفي جرحاً...لأحمل بندقية

هذا العصف الفكري و الفلسفة العاطفية لن تجعل السياره تسير الى الامام و لن يجعل وطني يتحرر.
سمعت شيئاً غبي بجانبي يقول:
- المرة الثانية ستقود انت السياره.
نظرت اليه و قلت:
- لا ادري إن سوف تكن هناك مره ثانيه.....لكني متأكد أن المرة الثالثه ستكون بدونك و في وطني.....لامت مرة ثانية .

[المصرية]

قصة جميلة واسلوب اكثر من رائع lومعنى جميل .

[Ghadat2009]

مرحبا بك أخا و زميلا عزيزا في أكاديميتنا الرائعة

قصتك رائعة جدا ...ثرية ومشوقة ...برغم كونها في مكان واحد ..لكنها تعدت هذا المكان بل و البلد أو الوطن لتحلق بنا و ترينا الكثير

استمتعت جدا بأسلوبك البديع ....و فعلا ..أتمنى أن تمتعنا بالمزيد من أعمالك الجميلة إن شاء الله

تحياتي و تقديري لك