فتاة جميلة
مرسل: 23 يونيو 2010, 7:34 pm
وقفت بمنتصف الدرج عند تلك الفسحة التي تفصل أحد مباني المشفى عن حديقتها الخضراء تتطلع إلى المجهول عن طريق شرفة داخلية تطل على أشجار يافعة تزقزق العصافير فوقها في هدوء ، و لأول مرة بحياتها لا تستطيع أن تشعر بجمال الطبيعة و إبداع الله في كونه ؛ لا تشعر سوى بألم شديد يعصف كيانها .. يعنفها .. يقهرها و يزلزل أرجاء نفسها ، وقفت ترثي حالها و تتنبأ بمستقبل غادر يحوطه العذاب و الشقاء .. الوحدة و الانهيار ، و رغماً عنها شعرت بدمعة ساخنة تذرفها عيناها في هدوء لتكسر حاجز الكبت الذي أقامته لنفسها على ابتسامة زائفة ترسمها صباح كل يوم على شفتيها لتبعث بعض الأمل و الحيوية في نفوس المرضى ؛ هؤلاء من ملت نفوسهم من كثرة الآمال و الابتسامات الزائفة ، و رغماً عنها شعرت بارتياح شديد لتلك الدمعة فسمحت لعينيها بأن تذرف دموعاً أكثر و أشد حرارة حتى ترتاح من ذلك الكبت الذي يمرضها و يزيدها حزناً فوق أحزانها .
و في ذروة أحزانها و بكاءها شعرت بخطوات تقترب من المبنى .. تصعد الدرج .. تتجه إليها ، لم تنظر تجاه الصوت لتميز صاحبه حتى لا يكشف أحد أسرارها و لا يرى أحد دموعها ، فطوال حياتها لم تبكِ أمام أحد حتى أقرب الناس إليها ، فهي ليست قادرة على تحمل نظرة شفقة أو عطف ، و بالرغم من عدم التفاتها إلى مصدر الصوت إلا أنها أيقنت أنه نابع من امرأتين تعملان بمجال التمريض ، لم يفت عليها نظراتهم و غمزاتهم _ التي اعتادت عليها من الجميع _ خاصة حينما تطرق إلى أذنيها بعض الكلمات الخبيثة من حديثم الخافت حيث سمعت إحداهما تهمس للآخرى قائلة :
" كم أشفق عليهن هؤلاء الفتيات ! "
فردت الآخرى لتقول :
" لا تشفقي على أحد ؛ فهذه عادة فتيات اليوم حينما يغدر بهن حبيب . "
لم تستطع سماع المزيد من حديثهم التافه فمضت تسير بسرعة لتخرج من ذلك المبنى القديم الذي تفوح منه تلك الرائحة الكريهة من الأدوية و المحاليل الطبية التي تعبر عن الألم و المرض أقسى عذاب يمكن أن يلاقيه الإنسان . ابتعدت عن ذلك المكان القاتل الذي يقضي على أحلامها الوردية و شتى معاني الحياة الجميلة في نفسها ، ذلك المكان الذي يمرضها و كأنها تعاني انفصام حاد في الشخصية ؛ فهي هنا بذلك المشفى تتعامل مع المرض يومياً .. تسمع الآهات النابعة من نفوس المرضى و أوجاعهم ؛ بينما مع زميلاتها تتعامل مع الأوراق و الرحلات و شتى أنواع الترفيه .. تتحدث عن الحب و الزواج و أحلام الصبايا .
و بالرغم من كل الآلام النابعة منها و الأحزان التي تكاد أن تقتلها ؛ إلا أنهم يظنون أنها تبكي إثر فراق حبيبها ؛ لا يدرون أنها تبكي مرض أمها .. ذلك المرض الخبيث الذي يأكل كل قطعة جميلة في أمها .. الذي يؤرقها فلا تستطيع أن تأكل .. تنام .. تضحك أو حتى تبتسم ، بات المرض يؤلمها حتى تحولت لجثة حية أمام عينيها ، لا تستطيع أن تخفف آلام أمها أو حتى إسعادها ، ربما هي أيضاً تبكي لفراق حبيبها مثلما يعتقدون لكن حبيبها لم يفارقها لأنه لا يهتم بأمرها ؛ بل فارقها ليرحل إلى أراضيه المحتلة ليدافع عن وطنه و بلده حبيبته التي تقاسمها قلبه الحنون و حبه الأكبر ، و هي الآن ضائعة لا تجد من يحنو عليها ؛ لا تجد لمسات يديّ أمها و لا كلمات حبيبها الحنون الذي لا تعرف حتى إن كان حياً أم رحل عن دنياه ، استغرقت في بكاء طويل ثم جففت عينيها و عادت مرة آخرى لذلك المبنى الذي تعرف أنها في غضون أيام قليلة ستودع فيه أغلى إنسان على قلبها ، و اتجهت إلى غرفة أمها لترسم ابتسامتها الزائفة و لتبعث بعض الأمال الواهية في نفس أمها المريضة ، و ابتسمت ساخرة من نفسها و قالت :
يبدو أنني سأظل في عيون الناس مجرد فتاة عابثة ؛ لا أحلام لي و لا أهداف إلا الحب و الزواج ؛ سأظل في عيونهم مجرد فتاة جميلة .
و في ذروة أحزانها و بكاءها شعرت بخطوات تقترب من المبنى .. تصعد الدرج .. تتجه إليها ، لم تنظر تجاه الصوت لتميز صاحبه حتى لا يكشف أحد أسرارها و لا يرى أحد دموعها ، فطوال حياتها لم تبكِ أمام أحد حتى أقرب الناس إليها ، فهي ليست قادرة على تحمل نظرة شفقة أو عطف ، و بالرغم من عدم التفاتها إلى مصدر الصوت إلا أنها أيقنت أنه نابع من امرأتين تعملان بمجال التمريض ، لم يفت عليها نظراتهم و غمزاتهم _ التي اعتادت عليها من الجميع _ خاصة حينما تطرق إلى أذنيها بعض الكلمات الخبيثة من حديثم الخافت حيث سمعت إحداهما تهمس للآخرى قائلة :
" كم أشفق عليهن هؤلاء الفتيات ! "
فردت الآخرى لتقول :
" لا تشفقي على أحد ؛ فهذه عادة فتيات اليوم حينما يغدر بهن حبيب . "
لم تستطع سماع المزيد من حديثهم التافه فمضت تسير بسرعة لتخرج من ذلك المبنى القديم الذي تفوح منه تلك الرائحة الكريهة من الأدوية و المحاليل الطبية التي تعبر عن الألم و المرض أقسى عذاب يمكن أن يلاقيه الإنسان . ابتعدت عن ذلك المكان القاتل الذي يقضي على أحلامها الوردية و شتى معاني الحياة الجميلة في نفسها ، ذلك المكان الذي يمرضها و كأنها تعاني انفصام حاد في الشخصية ؛ فهي هنا بذلك المشفى تتعامل مع المرض يومياً .. تسمع الآهات النابعة من نفوس المرضى و أوجاعهم ؛ بينما مع زميلاتها تتعامل مع الأوراق و الرحلات و شتى أنواع الترفيه .. تتحدث عن الحب و الزواج و أحلام الصبايا .
و بالرغم من كل الآلام النابعة منها و الأحزان التي تكاد أن تقتلها ؛ إلا أنهم يظنون أنها تبكي إثر فراق حبيبها ؛ لا يدرون أنها تبكي مرض أمها .. ذلك المرض الخبيث الذي يأكل كل قطعة جميلة في أمها .. الذي يؤرقها فلا تستطيع أن تأكل .. تنام .. تضحك أو حتى تبتسم ، بات المرض يؤلمها حتى تحولت لجثة حية أمام عينيها ، لا تستطيع أن تخفف آلام أمها أو حتى إسعادها ، ربما هي أيضاً تبكي لفراق حبيبها مثلما يعتقدون لكن حبيبها لم يفارقها لأنه لا يهتم بأمرها ؛ بل فارقها ليرحل إلى أراضيه المحتلة ليدافع عن وطنه و بلده حبيبته التي تقاسمها قلبه الحنون و حبه الأكبر ، و هي الآن ضائعة لا تجد من يحنو عليها ؛ لا تجد لمسات يديّ أمها و لا كلمات حبيبها الحنون الذي لا تعرف حتى إن كان حياً أم رحل عن دنياه ، استغرقت في بكاء طويل ثم جففت عينيها و عادت مرة آخرى لذلك المبنى الذي تعرف أنها في غضون أيام قليلة ستودع فيه أغلى إنسان على قلبها ، و اتجهت إلى غرفة أمها لترسم ابتسامتها الزائفة و لتبعث بعض الأمال الواهية في نفس أمها المريضة ، و ابتسمت ساخرة من نفسها و قالت :
يبدو أنني سأظل في عيون الناس مجرد فتاة عابثة ؛ لا أحلام لي و لا أهداف إلا الحب و الزواج ؛ سأظل في عيونهم مجرد فتاة جميلة .