هدية عيد الحب الأخيرة
كان حفل الطلبة بهيجا بحق.
لم يكن حفلا ماجنا كمن كنت تخافين. ولقد استمتعت بالفقرات الغنائية التي أداها بعض الطلبة الموهوبين، وتذوقت القراءات الشعرية الراقية لبعضهم، وتعرفت في مائدة الغداء الكبيرة التي جمعتكم بوجوه لم تريها من قبل.
ولم تفتك ملاحظة أنه كان يراقبك طوال الحفلة.
( تامر زهدي ) الشاب الوسيم في السنة الثالثة آداب.
إن عينيه لم تفارقانك لحظة.
وقد شعرت بالحياء والحرج أكثر من مرة حين تلاقت أعينكما، مما شجعه على مطاردتك.
كان ( تامر ) على علاقة بـ ( رانيا ) الشقراء الثرية زميلته بنفس السنة.
وكانت قصة حب مشهورة نوعا وسط الطلبة. شيء مثل تلك العلاقات الأمريكية التي لا دينك ولا أخلاقك تسمحان بقبول فكرتها.
نوع من العادات السيئة التي لم يعد أحد يراها سيئة.
بإستثناء القلة القليلة الذين كنت من بينهم.
وكان هذا يضيقك بشدة.
لم تشعري يوما نحوه بأي انجذاب. كان بالنسبة إليك طالبا آخر مثل مئات الطلبة الذين تصادفينهم في حرم الجامعة. غير أنه يتبعك كذبابة صيف.
وكانت عيناه تقولان الشيء الكثير.
طلب منك مرة أن يتحدث معك على انفراد. صددته بجفاء. طلب منك في مناسبة أن تعطيه فرصة ليشرح لك مشاعره. أحرجته أمام زملاءه.
كان هذا كفيلا بتحطيم كرامة أي رجل. توقعت أن يثور ويغضب، يتهمك بالعقد والتغطرس ويحقد عليك وينتقم. لكنه كان يحبك فوق ما تتصورين. وبلع تصرفاتك معه بسهولة.
غير أنه لم يكف عن إصراره.
حتى بدأت تخافين منه
!!
ثم سمعت تلك المحادثة.
لم تنتبهي بادئ الأمر لصوته، لكن اسمك ورد على لسانه فأيقظ سمعك للحوار.
كنت تمرين أمام تلك الشجيرات في حديقة الجامعة، قرب الكافيتيريا، ورأيتهما من خلال الوريقات والأغصان الخضراء.
( رانيا ) كانت تبكي وهي تتوسل إليه ألا يهجرها.
لكنه كان عنيدا كصخرة بركانية.
أشفقت عليها كثيرا، ورأيت الحيرة والحزن والغضب والحب في عينيها.
قالت له :
- هي لا تحبك .. ألا ترى كيف تعاملك ؟ .. إستيقظ يا ( تامر ) .. هي لن تحبك قط .
تقصدك أنت
!!
رد ببرود الأبالسة :
- ولكنني لا أفكر في سواها .. أرجوك يا ( رانيا ) .. إنسي ما كان بيننا .. أنا جاد هذه المرة
!
قالت بين دموع غزيرة :
- أنسى ؟؟ .. قلت لك هي لا تحبك .. ألا ترى هذا ؟ .. إرجع لي يا ( تامر ) .. أنت تعلم أني لم ولن أحب غيرك
- أعلم ، قال لها ، لكن قلبي لم يعد ينبض لسواها
صرخت :
- وماذا عن قلبها هي ؟
نعم .. ماذا عن قلبك ؟
!!
أجاب بصوت أثار فيك قشعريرة :
- سأجعلها تحبني يوما .. أعرف أنني أستطيع
لدهشتك رأيتها تمسح دموعها، تلملم كبرياءها المبعثر وتقول بصوت أقل تشنجا :
- كما قلت لك يا ( تامر ) .. أنت تعرف أنك الإنسان الوحيد في حياتي .. وأنا مستعدة لفعل أي شيء من أجلك
لكن دهشتك تضاعفت، حين صرخت المسكينة فجأة وهي تنصرف :
- ولكن قلبها لن ينبض بحبك قط
وانطلقت تبكي .. وتبكي .. بكت كثيرا.
كنت ترتعدين وأنت تتخيلين نفسك سبب هذه المأساة، ومصدر تعاسة تلك المسكينة. وكيف كانت تذل نفسها له وترجوه أن يعود إليها وهي المشهورة بالكبرياء والأنفة.
وكرهت ( تامر ) كثيرا.
لكنك خفت أكثر مما ينتويه بالنسبة إليك.
كيف سيجعلك تحبينه رغما عنك ؟؟
كان يبدو واثقا من نفسه. قادرا على فعل أي شيء.
ستبقى ذكرى تلك المحادثة راسخة في ذهنك، ولن تنسي منظر تلك الفتاة المسكينة الذليلة. ستتحاشين اللقاء بـ ( تامر ) وتتغيبين قليلا عن الجامعة.
ثم تلتقين بـ ( رانيا ) مصادفة في الشارع وأنت في طريقك لمحاضرة مهمة.
إنها شاحبة هزيلة. وكأنما أضربت عن الحياة. تتكلمين معها قليلا. تنوين الاعتذار لها رغم أن لا يد لك فيما يحصل معها. تدعوك لشقتها القريبة حيث تقطن مع والدها الذي يسافر كثيرا.
تقبلين دعوتها على مضض، وأنت تودعين في نفسك المحاضرة المهمة. المسكينة تبدو محطمة ومحتاجة للمواساة بشدة. تبدو على شفير هاوية الإنتحار.
تعد لكما فنجاني قهوة. تجلسان في الصالة وهي لا تكف عن الحديث عن قسوة المحبين، عن الغدر. هذا الشعور الكريه القاسي الذي لا يحس به سوى المغدورون.
لا تعلمين لماذا لا ترتاحين لارتجافة يدها على الكوب ؟
والنظرات التي تختلسها إليك ؟؟
في اليوم التالي، الرابع عشر من فبراير طبعا، وبعد عودته من الجامعة. مستاء جدا لأنه لم يرك منذ مدة. يدخل ( تامر ) شقته مرهقا. يرتمي بثقله على أريكة الصالة. ثم تقع عيناه على العلبة الأنيقة الموضوعة بعناية على الطاولة. يتعرف توقيع ( رانيا ) على بطاقة صغيرة موضوعة على ظهر العلبة وقبلة بأحمر الشفاه.
هو يعرف عادة (رانيا) بمفاجأته بهدية في عيد الحب، وتعتبر ذلك شيئا مقدسا. لكنه ظن أنه بقطع علاقته معها ستنساه، وتحقد عليه للأبد.
يفتح العلبة بفضول ويدخل يده ليكتشف هديته، تصادف شيئا طريا مبتلا، دافئا، لزجا، ينظر ليده برعب. يحس بدقات قلبه تتسارع بجنون في طريقه لنوبة مفاجئة. ينتبه للعبارة الموجودة على البطاقة، وهو يكتشف الهدية الجهنمية.
عبارة بسيطة سبق وأن سمعها من شفتي ( رانيا )
عبارة تقول :
" قلبها لن ينبض بحبك قط "
هديـــــــة
المشرفون: Ghadat2009،نبضة...
- Ghadat2009
- مشرفة قسم الكتابة
- مشاركات: 1481
- اشترك في: 02 فبراير 2009, 12:00 pm
- Real Name: غادة يسري
- Favorite Quote: كن جميلا ..... ترى الوجود جميلا :)
- verification: ID verified and trusted writer
- مكان: مصر الجميلة
Re: هديـــــــة
النهاية مفاجأة محكمة .. لكنها قاسية و صادمة أيضا !
لأنها - الضحية - ليس لها ذنب في كل ما حدث بين الحبيبين ... ماذا تريد أن تقول يا يوبا ؟
أنت بارع في أسلوبك القصصي غير أن قصصك مليئة بالعنف أو القتل أو الانتقام ... أتشاهد الكثير من أفلام الرعب ؟
و أنت- برأيي- موهوب ... تستطيع اجتذاب القاريء بسلاسة ... لكن ألا يمكن أن يكون للقصة هدف و لو بسيط ؟
أرجو ألا يغضبك تعليقي ... و أن تتقبل النقد أو التعليق بصدر رحب
مع تمنياتي بقصص جديدة خالية من العنف ..
لأنها - الضحية - ليس لها ذنب في كل ما حدث بين الحبيبين ... ماذا تريد أن تقول يا يوبا ؟
أنت بارع في أسلوبك القصصي غير أن قصصك مليئة بالعنف أو القتل أو الانتقام ... أتشاهد الكثير من أفلام الرعب ؟
و أنت- برأيي- موهوب ... تستطيع اجتذاب القاريء بسلاسة ... لكن ألا يمكن أن يكون للقصة هدف و لو بسيط ؟
أرجو ألا يغضبك تعليقي ... و أن تتقبل النقد أو التعليق بصدر رحب
مع تمنياتي بقصص جديدة خالية من العنف ..
Re: هديـــــــة
أختي الكريمة غادة
بالعكس أنا سعيد بردك وصراحتك
يكفي قراءتك وردك على القصة وهو شيء أقدره
لا أتفق معك بأن كل قصة يجب أن تحمل هدفا محددا أو معنى
يكفي أنها تطرح فكرة مهما بدت صادمة أو شاذة (وثقي أنك ستجدين حوادث أكثر بشاعة بصفحة الحوادث اليوم)
ثم لو أردت أن أبحث لك عن هدف في القصة لقلت لك : أحذروا أيها الفتية من تقليد علاقات الحب الغربية لأن هناك فتيات مجنونات قد تتعلق بكن للأبد وتنتزع قلوب كل من تحبون بعدهن
ههه ما رأيك ؟ ألا ترين أن القصة توجه تحذيرا شديد اللهجة لشبان هذه الأيام؟
ودمت
بالعكس أنا سعيد بردك وصراحتك
يكفي قراءتك وردك على القصة وهو شيء أقدره
لا أتفق معك بأن كل قصة يجب أن تحمل هدفا محددا أو معنى
يكفي أنها تطرح فكرة مهما بدت صادمة أو شاذة (وثقي أنك ستجدين حوادث أكثر بشاعة بصفحة الحوادث اليوم)
ثم لو أردت أن أبحث لك عن هدف في القصة لقلت لك : أحذروا أيها الفتية من تقليد علاقات الحب الغربية لأن هناك فتيات مجنونات قد تتعلق بكن للأبد وتنتزع قلوب كل من تحبون بعدهن
ههه ما رأيك ؟ ألا ترين أن القصة توجه تحذيرا شديد اللهجة لشبان هذه الأيام؟
ودمت
- الأمير الحائر
- مشرف قسم الروايات
- مشاركات: 859
- اشترك في: 31 أكتوبر 2008, 8:06 pm
- Real Name: وليد توفيق
- Favorite Quote: و تبقى الكلمات...
- verification: ID verified and trusted writer
Re: هديـــــــة
أولا : أحب أن أحييك على الأسلوب الرائع فى العمل و اتباعك لطريقة " المحادث الداخلى " أو الباطن كان رائع ومناسب جدا للغرض..وأنا شخصيا رغم عدم كتابتى إلا لعمل أو لعملين بهذا الأسلوب..إلا أننى أحب قرائته جدا لأن قليلا من يكتب به ويتحكم فيه بمهارة ليناسب العمل...وأعتقد غرابة الفكرة كانت مناسبة جدا لهذا الأسلوب.
ثانيا : لى تعليق على رد غادة ورأيها...أعتقد فقط أن نهاية العمل هنا قد تكون دموية بشكل قاسى على البعض..هناك من قد يتقبل الفكرة...أنا شخصيا ذهلت من النهاية التى لم أتوقعها..وأحسست بنفس التعاطف مع الضحية لأنها هى البطلة الرئيسية منذ البداية...لكن مشاعر التعاطف هذه قد تتفاوت وقد تصل إلى رهبة الفكرة وشدة قسوتها تلك, لتنسى أساس العمل كله..وأعتقد أن هذه القصة تماثل الحكمة " من الحب ما قتل " بشكل أو بأخر.
تحية على العمل وأسلوبه الرائع...وأهلا بك و بكل أهل ليبيا الشقيقة
ثانيا : لى تعليق على رد غادة ورأيها...أعتقد فقط أن نهاية العمل هنا قد تكون دموية بشكل قاسى على البعض..هناك من قد يتقبل الفكرة...أنا شخصيا ذهلت من النهاية التى لم أتوقعها..وأحسست بنفس التعاطف مع الضحية لأنها هى البطلة الرئيسية منذ البداية...لكن مشاعر التعاطف هذه قد تتفاوت وقد تصل إلى رهبة الفكرة وشدة قسوتها تلك, لتنسى أساس العمل كله..وأعتقد أن هذه القصة تماثل الحكمة " من الحب ما قتل " بشكل أو بأخر.
تحية على العمل وأسلوبه الرائع...وأهلا بك و بكل أهل ليبيا الشقيقة
ثمة أسماء و ألقاب تبقى..بقاء الأرض..بقاء السماء..و بقاء الكلمات...
ثمة أشياء تتعلق حياتها بأماكنها..بتوابيت مغلقة تخشى الإبتعاد عنها...
رغم أن الحياة..قد تكمن فى هذا البعد...
.....
...:: و تبقى الكلمات ::...
...... صفحتى فى الأكاديمية ......
ثمة أشياء تتعلق حياتها بأماكنها..بتوابيت مغلقة تخشى الإبتعاد عنها...
رغم أن الحياة..قد تكمن فى هذا البعد...
.....
...:: و تبقى الكلمات ::...
...... صفحتى فى الأكاديمية ......
- Ghadat2009
- مشرفة قسم الكتابة
- مشاركات: 1481
- اشترك في: 02 فبراير 2009, 12:00 pm
- Real Name: غادة يسري
- Favorite Quote: كن جميلا ..... ترى الوجود جميلا :)
- verification: ID verified and trusted writer
- مكان: مصر الجميلة
Re: هديـــــــة
يوبا كتب:أختي الكريمة غادة
بالعكس أنا سعيد بردك وصراحتك
يكفي قراءتك وردك على القصة وهو شيء أقدره
لا أتفق معك بأن كل قصة يجب أن تحمل هدفا محددا أو معنى
يكفي أنها تطرح فكرة مهما بدت صادمة أو شاذة (وثقي أنك ستجدين حوادث أكثر بشاعة بصفحة الحوادث اليوم)
ثم لو أردت أن أبحث لك عن هدف في القصة لقلت لك : أحذروا أيها الفتية من تقليد علاقات الحب الغربية لأن هناك فتيات مجنونات قد تتعلق بكن للأبد وتنتزع قلوب كل من تحبون بعدهن
ههه ما رأيك ؟ ألا ترين أن القصة توجه تحذيرا شديد اللهجة لشبان هذه الأيام؟
ودمت
أخي الكريم يوبا
أشكرك جدا على ردك المهذب المقنع .. الذي جعلني أعيد قراءة قصتك الرائعة فعلا لأكثر من مرة !
لا تتعجب ! ففعلا .. النهاية القوية أو الصادمة قد أوقعتني نحت تأثيرها .. فأحسست بالصدمة و الغضب و الضيق ... و لم أتنبه الى ان هذا يعني نجاح الكاتب و براعته في الوصول بقاريء الى هذه الحالة !
عندما أعدت القراءة ... أعجبني جدا أسلوبك الممتع و المشجع على المتابعة و الجو الرائع الذي خلقته بتوجيه الكلام للضحية ! و ربما كان هذا هو ما زاد من وقع الصدمة في النهاية !
وددت لو تتناسى تعليقي الأول لتسرعي - بحالتي تلك - في كتابته
لا تتأخر بامتاعنا بالمزيد من قصصك الجميلة و المميزة
و لك كل الاحترام و الترحيب و التقدير
Re: هديـــــــة
الصديق الأمير الحائر
شكرا على ردك الجميل ، يعجبني هذا الأسلوب جدا رغم أنه مجال استعماله محدود
تظنني من ليبيا إذن ؟ حسن أنا من المغرب و .. كلنا أمازيغ
الأخت غادة
ثقي أنني لم أنزعج البتة بل أنا سعيد بتواجدك وتشجيعك وشكرا لترحيبك ألف شكر
شكرا على ردك الجميل ، يعجبني هذا الأسلوب جدا رغم أنه مجال استعماله محدود
تظنني من ليبيا إذن ؟ حسن أنا من المغرب و .. كلنا أمازيغ
الأخت غادة
ثقي أنني لم أنزعج البتة بل أنا سعيد بتواجدك وتشجيعك وشكرا لترحيبك ألف شكر