من أوائل القصص التي كتبتها
و لها عندي معزّة خاصّة
قرأتها مرّة أخرى ووجدت فيها بعض أوجه القصور
بس معدّلتش حاجة ..
كسلا فقط
=====
" درس خصوصي "قصة قصيرة - "
دخل مدرّس مادة الرياضيات إلى الفصل ، و بدخوله خيّم الصمتُ على التلاميذ ، و اكتستْ ملامحُهم بالخوف و القلق ..،و السرّ في ذلك أنه سيُعلن اليوم نتائجَ الاختبار الماضي ، .... نظرةُ المدرس الصارمة تخيفُ تلك القلوبَ الصغيرة ، أكثرَ مما تفعلُه عصاهُ الطويلة الغليظة التي لا تختلف عن قلبه في القسوة و الشدة .
كان طويلَ القامة مَهيباً ،ممتلئَ الجسم ، أصلعَ الرأس إلا قليلا من الشعر على الجانبين ، شاربُه ضخمٌ،كعويّناته ، التي تُغطي جزءً كبيرا من وجهه ، و التي تُعطي للطلاّب انطباعا غريبا ودائما بغموضه ، و شدته ...
يُمسك في يده اليسري عصاه و التي قلّما يفارقها ، و في يمناه يمسكُ حقيبتَه السوداء ، و التي أكلَ عليها الدهرُ وشربَ زمنا طويلا ...
تقدّم إلى أحدي الطاولات ، وضعَ عليها الحقيبة ، فتحَها بهدوء و أخرجَ ملفا يحتوي على أوراق الطلاّب ، ثم رفع بصره إليهم ... و بهدوءٍ أخذ يتفرّس في الوجوه الصغيرة ، القلقة ، ..
... لحظات ...
ثم قال و هو يفتل شاربه :
" اليوم سأعلن نتيجة الاختبار ..."
ثم أردف في صرامةٍ شامتة فاتحاً فاهُ ، كاشفًا الستر عن أقبحِ صفّين من الأسنانِ الصفراءَ ، و التي أضفتْ مزيجا كئيباً على كلماته ..:
" و الويل ، كل الويل للراسبين ..! "
نظرَ الطلاب بعضهم إلى البعض ، و تعالى همسهم المضطرب ...
" سكوت .. "
قالها وهو يدق على الطاولة بعصاه ...
" سكوت و إلا عاقبتُ الجميع بلا تمييز.."
ثم قال و عيناه تقدح شراّ ، ضاغطا على كلماته :
"فليبتلع كل منكم لسانه و لا يتكلم !!! "
ساد الصمت مرة أخرى ، وإنْ تعالى الصخبُ داخل نفوسهم الصغيرة المضطربة ..
ثم و ببطء مستفز سحب المدرّس ورقة من الملف و فتحها .. ، ثم قال في تلذذ و هو يربّت على كرشه الضخم : و الآن مع الورقة الأولي ..
تنحنح قليلا ثم قال :
" أحمد عبد العزيز مكاوي ..."
صوت خافت ، يهمهم من نهاية الفصل ، يكاد لا يُسمع ،كأنه قادم من أعماق سحيقة ..
يصرخ المدرس :
" هه ... لم أسمع ..!!"
وقف الطالب المقصود في نهاية الفصل و قد بدا عليه الذعر ..
أحمد : " نـ .. نعم يا أستاذ .."
كان أحمد ضئيل الجسد ، ضعيفا ..، تَشي ملابسُه الرخيصة برقّة حاله ... ، لكنّه_مع ذلك_ كان ذكيّا... محبّا للعلوم ... نبيها ، ولكن هذا لم يشفع له عند أستاذه _ الذي يخشاه كالموت _ كما يبدو .
وقف أحمد صامتًا ، يترقبُ _ بكل حواسّه _ حكْم المدرّس على ورقته ... كمذنب ، انتصب في قفص الاتهام ، و أمسك بالقضبان و أرهفَ سمعَه وانتبهَ للقاضي .. منتظرا حكْمَه الفاصل ...
المدرس :
" اممممم ... درجاتك جيّدة يا أحمد .."
تنفس أحمد الصعداء ، وتنهد تنهيدة الخلاص ، و استكانت وقفته ..
ولكنّ ...
المدرّس أردف بعد ثواني قليلة و هو يمط شفتيه امتعاضا :
" ولكن خطك في غاية الرداءة أيها الفاشل ، لذا ...لذا
سأعاقبك على ذلك بفرك أذنيك .. "
" تعال هنا .."
اتسعت عينا أحمد في رعب و ارتسمت آيات الفزع على قسماته البريئة ، و أخذ يرتجف كالمحموم ، جسدُه كلّه يرتعش كورقة في مهب الريح .. ولم يتحرك من مكانه ، قد سمّره الرعب ...
انعقد حاجبا المدرّس في غضب ، و غلّف وجهه بعلامات الصرامه ، ليُخفي شماتتَه ... تقدم ببطء من أحمد الذي ما زال يرتجف .. وقد شحب لونُه .. حتى كاد يحاكي وجوه الموتى ...
سقط ظل الأستاذ على الطفل المسكين الذي زاد اتساع عينيه ، ثم و بصوت مرتعد و عينين دامعتين ... :
" يا أس ..أس .. أستاذ فكري .."
انحني الأستاذ فكري ، ليصبح وجهه مقابلا للوجه المضطرب الدامع ..
مد يديه فأمسك أذن أحمد .. الذي صرخ كالمجنون ..:
" لااااااا يا أستاذ أريد أن أقول لك شيئا .."
تألقت عينا الأستاذ فكري ، و أخفي ابسامتَه المنتصرة خلفَ حاجزٍ من الصرامة و الحزم ... جذبَ أحمد من أذنيه ليقربَه منه .. و بصوت زلزل فؤاد الطفل المسكين :
" ماذا تريد "
ثم بقسوة .. :
" هيّا لن أضيع اليوم كله مستمعا لك .."
قال أحمد بكلمات متلعثمة مضطربة .. وسط دموعه التي أغرقت وجهه :
" أ .. أبي يقول لك ، ما... ما هي مواعيد الدروس الخصوصية ..لأني.. س .. سأحضر مع زملائي .."
بدأ ينهنه ، و يرتجف كعصفور مبتلّ ، و نظر إلى المدرّس نظرة تضرع راجيا منه أن يعتقه من عقابه ..
لم يستطع المدرّس هذه المرة كتمان ابتسامة النصر ..التي لاحت عند ركني شفتيه ... ثم اتسعت فشملت وجهَه كله ، فانفرجت شفتاه عن أسنانَه الصفراءَ التي زادته قبحا على قبحه ، .. و ترك أذنَ أحمدَ الذي عادتْ الروحُ تدبُّ فيه ، و
عاد قلبُه للخفقان ... قائلا :
" اجلس .."
ثم تنحنح في وقار .. و اتجه إلى الطاولة في حزم ، وبخطوات
واسعة و صارمة ،
لينتقي ورقة جديدة ...
...
..
"تمت"
دخل مدرّس مادة الرياضيات إلى الفصل ، و بدخوله خيّم الصمتُ على التلاميذ ، و اكتستْ ملامحُهم بالخوف و القلق ..،و السرّ في ذلك أنه سيُعلن اليوم نتائجَ الاختبار الماضي ، .... نظرةُ المدرس الصارمة تخيفُ تلك القلوبَ الصغيرة ، أكثرَ مما تفعلُه عصاهُ الطويلة الغليظة التي لا تختلف عن قلبه في القسوة و الشدة .
كان طويلَ القامة مَهيباً ،ممتلئَ الجسم ، أصلعَ الرأس إلا قليلا من الشعر على الجانبين ، شاربُه ضخمٌ،كعويّناته ، التي تُغطي جزءً كبيرا من وجهه ، و التي تُعطي للطلاّب انطباعا غريبا ودائما بغموضه ، و شدته ...
يُمسك في يده اليسري عصاه و التي قلّما يفارقها ، و في يمناه يمسكُ حقيبتَه السوداء ، و التي أكلَ عليها الدهرُ وشربَ زمنا طويلا ...
تقدّم إلى أحدي الطاولات ، وضعَ عليها الحقيبة ، فتحَها بهدوء و أخرجَ ملفا يحتوي على أوراق الطلاّب ، ثم رفع بصره إليهم ... و بهدوءٍ أخذ يتفرّس في الوجوه الصغيرة ، القلقة ، ..
... لحظات ...
ثم قال و هو يفتل شاربه :
" اليوم سأعلن نتيجة الاختبار ..."
ثم أردف في صرامةٍ شامتة فاتحاً فاهُ ، كاشفًا الستر عن أقبحِ صفّين من الأسنانِ الصفراءَ ، و التي أضفتْ مزيجا كئيباً على كلماته ..:
" و الويل ، كل الويل للراسبين ..! "
نظرَ الطلاب بعضهم إلى البعض ، و تعالى همسهم المضطرب ...
" سكوت .. "
قالها وهو يدق على الطاولة بعصاه ...
" سكوت و إلا عاقبتُ الجميع بلا تمييز.."
ثم قال و عيناه تقدح شراّ ، ضاغطا على كلماته :
"فليبتلع كل منكم لسانه و لا يتكلم !!! "
ساد الصمت مرة أخرى ، وإنْ تعالى الصخبُ داخل نفوسهم الصغيرة المضطربة ..
ثم و ببطء مستفز سحب المدرّس ورقة من الملف و فتحها .. ، ثم قال في تلذذ و هو يربّت على كرشه الضخم : و الآن مع الورقة الأولي ..
تنحنح قليلا ثم قال :
" أحمد عبد العزيز مكاوي ..."
صوت خافت ، يهمهم من نهاية الفصل ، يكاد لا يُسمع ،كأنه قادم من أعماق سحيقة ..
يصرخ المدرس :
" هه ... لم أسمع ..!!"
وقف الطالب المقصود في نهاية الفصل و قد بدا عليه الذعر ..
أحمد : " نـ .. نعم يا أستاذ .."
كان أحمد ضئيل الجسد ، ضعيفا ..، تَشي ملابسُه الرخيصة برقّة حاله ... ، لكنّه_مع ذلك_ كان ذكيّا... محبّا للعلوم ... نبيها ، ولكن هذا لم يشفع له عند أستاذه _ الذي يخشاه كالموت _ كما يبدو .
وقف أحمد صامتًا ، يترقبُ _ بكل حواسّه _ حكْم المدرّس على ورقته ... كمذنب ، انتصب في قفص الاتهام ، و أمسك بالقضبان و أرهفَ سمعَه وانتبهَ للقاضي .. منتظرا حكْمَه الفاصل ...
المدرس :
" اممممم ... درجاتك جيّدة يا أحمد .."
تنفس أحمد الصعداء ، وتنهد تنهيدة الخلاص ، و استكانت وقفته ..
ولكنّ ...
المدرّس أردف بعد ثواني قليلة و هو يمط شفتيه امتعاضا :
" ولكن خطك في غاية الرداءة أيها الفاشل ، لذا ...لذا
سأعاقبك على ذلك بفرك أذنيك .. "
" تعال هنا .."
اتسعت عينا أحمد في رعب و ارتسمت آيات الفزع على قسماته البريئة ، و أخذ يرتجف كالمحموم ، جسدُه كلّه يرتعش كورقة في مهب الريح .. ولم يتحرك من مكانه ، قد سمّره الرعب ...
انعقد حاجبا المدرّس في غضب ، و غلّف وجهه بعلامات الصرامه ، ليُخفي شماتتَه ... تقدم ببطء من أحمد الذي ما زال يرتجف .. وقد شحب لونُه .. حتى كاد يحاكي وجوه الموتى ...
سقط ظل الأستاذ على الطفل المسكين الذي زاد اتساع عينيه ، ثم و بصوت مرتعد و عينين دامعتين ... :
" يا أس ..أس .. أستاذ فكري .."
انحني الأستاذ فكري ، ليصبح وجهه مقابلا للوجه المضطرب الدامع ..
مد يديه فأمسك أذن أحمد .. الذي صرخ كالمجنون ..:
" لااااااا يا أستاذ أريد أن أقول لك شيئا .."
تألقت عينا الأستاذ فكري ، و أخفي ابسامتَه المنتصرة خلفَ حاجزٍ من الصرامة و الحزم ... جذبَ أحمد من أذنيه ليقربَه منه .. و بصوت زلزل فؤاد الطفل المسكين :
" ماذا تريد "
ثم بقسوة .. :
" هيّا لن أضيع اليوم كله مستمعا لك .."
قال أحمد بكلمات متلعثمة مضطربة .. وسط دموعه التي أغرقت وجهه :
" أ .. أبي يقول لك ، ما... ما هي مواعيد الدروس الخصوصية ..لأني.. س .. سأحضر مع زملائي .."
بدأ ينهنه ، و يرتجف كعصفور مبتلّ ، و نظر إلى المدرّس نظرة تضرع راجيا منه أن يعتقه من عقابه ..
لم يستطع المدرّس هذه المرة كتمان ابتسامة النصر ..التي لاحت عند ركني شفتيه ... ثم اتسعت فشملت وجهَه كله ، فانفرجت شفتاه عن أسنانَه الصفراءَ التي زادته قبحا على قبحه ، .. و ترك أذنَ أحمدَ الذي عادتْ الروحُ تدبُّ فيه ، و
عاد قلبُه للخفقان ... قائلا :
" اجلس .."
ثم تنحنح في وقار .. و اتجه إلى الطاولة في حزم ، وبخطوات
واسعة و صارمة ،
لينتقي ورقة جديدة ...
...
..
"تمت"