ساره
قصة
لبنى غانم
أبصرت على دنياها لم تجد بجوارها سوى جدتها لامها التي تولت رعايتها بعد وفاة أمها أثناء ولادتها ورحيل أبيها بعدها بثلاثة أشهر في حادث سيارة ...ترك لها والدها ثروة طائلة....بدأت تمر بها الأيام هادئة حتى المرحلة الثانوية والتي تنتقل منها إلى المرحلة الجامعية وتدخل كلية التجارة هي وصديقتها ريهام التي رافقتها سنوات دراستها ..تمضى الأيام بهما سريعا لم تكن ريهام تتوقع أن يأتي اليوم الذي تتغير فيه سارة لهذه الدرجة وان تنتهي صداقتهن التي دامت أكثر من خمسة عشر عاما فقد كانت ريهام صديقتها الأولى والوحيدة
في بداية العام الدراسي تعرفت سارة على بعض الأصدقاء الذين التفوا حولها عندما علموا بثرائها والأموال التي تركها لها والدها ..حاولت ريهام أن تجذب سارة ناحيتها حتى لا تقع في الشرك الذي أعده لها أصدقاؤها الجدد يحاولون إقناعها أن ريهام تحاول استغلالها دائما وتريد أن تجعلها لها وحدها ليس لها أصدقاء غيرها ومن ناحية أخرى بدؤوا يقنعونها بان تستمع بحياتها وأموالها المتراكمة في البنوك...فتحولت حياتها الهادئة إلى حياة أكثر صخبا وضوضاء
انسحبت ريهام من حياتها لان سارة لم تعد تريدها صديقه بعد أن تعرفت على أصدقائها الجدد وأيضا جدتها قد فارقت الحياة قبل أن ترى ثمرة تربيتها قد أصابها العطب ..تحولت الفيلا التي تقطنها سارة بعد وفاة جددتها إلى ملهى ليلي فأصبحت ملتقى الأصدقاء والسهرات اليومية ...أهملت دراستها وكليتها وأدمنت السهر الذي ألقى بسواده على عينيها فأصبحت تسهر طوال الليل وتنام طوال النهار _______________
خرجوا جميعا وبقيت وحدها تكسر كل شيء أمامها صعدت الدرج المؤدى إلى غرفتها _____
أخذت تنظر لنفسها في المرآة مليا وكأنها تنظر إلى فتاه أخرى لا تعرفها تنظر لدموعها السوداء المتساقطة على جسدها الذي أصبح مطمع للجميع حتى ينالوا أموالها... بعد نوبة بكاء شديدة أخذت تلوم نفسها وتعاتبها فهي من أتاحت لهم الفرصة لكي يقتحموا حياتها ويخطئوا الظن بها هي التي لم تسمع نصائح صديقة عمرها مازالت لم تصدق بعد ما سمعته أذنها
دخلت الحمام لتأخذ دشا باردا لعل قطرات المياه الباردة الساقطة على جسدها تغسل خطأها في حق نفسها وحق صديقتها.. جلست بعد دش بارد تفكر في الحال الذي وصلت إليه قررت أن تطوى تلك الصفحات من حياتها وتبدأ صفحة جديدة بعيدا عن هؤلاء الأصدقاء
ذهبت في اليوم التالي إلى صديقتها ريهام تعتذر لها عن ما فعلته بحقها وحكت لها ما حدث معها ...سامحتها ريهام وحمدت الله انه لم يحدث معها أكثر من ذلك تركتها ريهام بالغرفة وذهبت لتحضر لها كوبا من الحليب الدافئ كي تهدأ أعصابها .....جلست سارة وحدها بالغرفة وجدت طرحه ترتديها ريهام ملقاة بجوارها على السرير فارتدتها ونظرت لنفسها بالمرآة طويلا ربما أعجبها شكلها بالحجاب دخلت ريهام عليها وفرحت عندما رأتها بالحجاب
نظرت إليها سارة مبتسمة:شكلي حلو؟
ريهام:طبعا زى القمر
استطردت ريهام قائلة: أنتِ نويتِ تتحجبي
سارة: يمكن لو مكنتش قابلت الناس دى كنت اتحجبت من فترة
طلبت سارة من ريهام أن تأتي معها لتشتري ملابس جديدة تناسب الحجاب فوافقت ريهام بكل سرور على مطلبها
ذهبت الفتاتان في اليوم التالي على الفور فاشترت سارة احجبه وملابس كثيرة ذات ألوان زاهية ومبهجة استعدادا لحياة جديدة مليئة بالنشاط والحيوية
فاجأتها ريهام إنها قد أعدت لها كل المحاضرات التي فاتتها واحتفظت بها لأنها كان عندها يقين أنها ستأتي مرة أخرى وتعود صداقتهما من جديد
سرت سارة لذلك كثيرا وبمساعدة ريهام لها كي تستعيد ما فاتها من دروس ،ولكن لا تمضي الأيام حسبما نريد دائما ففي يوم قررت الفتاتان أن تذهبا لتناول العشاء في أي مطعم كنوع من التغيير
ركنت سارة سيارتها على الجهة المقابلة للمطعم ....انتهى العشاء بهما سريعا ولكن الحديث بينهما لم ينتهِ بعد
خرجت سارة و ريهام من المطعم تضحكان وتتذكران أيام طفولتهما ..قطع حديثهن تليفون سارة الذي رن على غير ميعاد فطلبت سارة من ريهام أن تأخذ مفاتيح سيارتها وتنتظرها بها وما كادت سارة ترد على هاتفها إلا أن انتبهت على ريهام تصدمها سيارة مسرعة أمام عينيها يسقط الهاتف من يدها وتجري لتلحق بصديقتها التي لفظت أنفاسها الأخيرة بين يديها
أصبحت سارة وحيدة متخبطة في دنياها بلا أم بلا أب بلا صديق يهون عليها جراح الدنيا ...تبرعت بالفيلا التي كانت تعيش بها لتصبح دارا للأيتام ...وقررت أن ترحل إلى مدينة أخرى بعيدا عن هذه المدينة الملبدة بالذكريات المؤلمة التي مرت بحياتها
هكذا مر أمام عينيها شريط حياتها وهي واقفة على شاطئ الإسكندرية حتى الغروب ترى الشمس تغفو في أحضان البحر فتمنت حينها أن تجد الإنسان الذي تغفو بين أحضانه ويكون لها الأمان في دنيا ملأتها الوحشة