اليوم هو الخامس على التوالى الذى يتبعها فيه ذلك الشاب الأسمر الوسيم00 من هو ومن أين جاء وما الذى يريده منها ، لا تدرى ولا يهمها ان تدرى 00 فما الذى يعنى الصحراء أن تعرف نوع ومصدر وغرض الماء ؟ الا يكفيها ان جاءها ماء ؟!00 وهى صحراء وهو ماء فما الذى تريده أكثر من ذلك ؟!
انه بانتظاره لها كل صباح يعوضها حرمان سنين لم ينتظرها فيها أحد أو حتى يحفل بها اذا انتظرته هى00 ونظراته المتلهفة عليها وهى تقترب منه تروى داخلها عطش مجنون لان يفتقدها أحد ويحتويها شوقه اليها عند رؤيتها 00 أما وجوده بجانبها وحولها فى الطريق والمحطة وداخل الأتوبيس ، فيعيد اليها احساسها الجميل المفقود بانها لاحد 0
انه الينبوع الوحيد الذى تفجر فى صحراء حياتها منذ ماتت أمها وانتقل أبوها لاحضان امرأة اخرى واصبحت هى وحيدة بلا أحد 00 الينبوع الوحيد بعد سنوات عجاف لم تر فيها ماء ولا خضرة ولا حتى أمل أو وعد بذلك ، فكيف وهو بالنسبة لها كل ذلك تغلق نفسها دونه حتى تسأل وتعرف وتفهم من هو ومن أين جاء وماذا يريد منها ؟00
يكفيها أنها هى تريده 00 تحتاجه 00 تشعر معه بالانتماء00 بانها لاحد وان أحدا لها ، وأن هذا الأحد بما يقدمه لها يبعث فيها من جديد كل المشاعر الانسانية والأحلام الوردية الجميلة ، التى لا تتذكر متى كانت لها ومتى ذهبت عنها 0 انها به تحب وتشتاق وتقلق وترتاح وتفكر وتسرح وتبتسم ، وتتدفق داخلها كل المشاعر الحية التى تجعل لحياتها وجود ومعنى00 معه تحلم وتحقق أحلامها وتسعد وتحتضن الدنيا وتحتضنها الدنيا كما يحدث لكل الذين لم يحرموا أن يكون لهم أحد 0
سوف يعوضها عن كل ما سقط منها أو سقطت هى من حسابه عمدا أو سهوا 00 ستكون له أيدى وعيون وأفواه وآذان وصدور وأحضان وحب وحنان وعطاء كل الذين فقدتهم وافتقدتهم 00 سوف يطعمها ويسقيها ويهدهدها ويحنو عليها ويدافع عنها ويحميها ويقويها ، ويفسح لكلماتها مكانا فى نفسه ويملأ بكلماته فراغ نفسها 00 واذا تعبت فصدره راحة لها ، واذا ضاقت بها الدنيا فاحضانه وطن وملاذ لغربتها وضياعها 0 اخيرا ستكون لاحد ويكون لها أحد 00 ستصبح الصحراء حديقة غناء والفضل كله لينبوع الماء 0
وينبوع الماء مازال يتدفق ويرويها ماء عذبا ينعش كل ما كان جافا يابسا داخلها ، وهى غارقة عن آخرها فى التغيرات التى تحدث لها 00 حتى جاء يوم بدايته كبداية كل يوم ونهايته ليس مثلها نهاية 0
انتظرها كالعادة ، وأسمعها كلماته الحلوة الرقيقة وهو خلفها وبجانبها فى الطريق والمحطة ، وعندما جاء الأتوبيس حاول كالعادة أيضا أن يصعد خلفها حتى يحظى بفرصة الوقوف بالقرب منها 00
ودرجة الحرارة فوق الأربعين ونسبة الرطوبة فوق التسعين ، والأتوبيس كعلبة السردين يكتظ بالعشرات متلاصقين دون فواصل أو تهوية 00 وهى تقف كغيرها من قصار القامة محشورة بلا حراك فى أسفل الكتلة البشرية تختنق تحت غابة من الأذرع الطويلة تمتد فوق رأسها وأكتافها كالشماعات تعلق أصحابها فى سقف الأتوبيس وعلى جوانبه 00 وهو أحد المعلقين بجانبها 0
فجأة وعلى غير العادة والمتوقع خلا المقعد الذى يتوسطهما 00 الذى يقفا بجانبه 00 وبسرعة فائقة وزغدة فجائية خاطفة فى كتفها ، أزاحها من مكانها وجلس هو على المقعد وأدار وجهه تجاه النافذه 0