إلى تلك التي ساعدتني على التواصل مع من أحب و أريد ..لم أكن أعلم أي وسيلة أستعملها ، فرنسية غزت لساني أو عامية قد يستغربون بعض مفرداتها ...
إليك لغتي العربية أهدي هذا العمل و إلى كل من علمني حرفا فيك ..
و منه إلى كل الشعوب العربية.. دعوة للتواصل و الاتصال ...
إلى فلسطين الجريحة ..لم ننسك ... " مريم"
......................
كثيرا ما نظن أننا نعيش منفردين يستقل الواحد منا بهمومه و نكباته و يتخبط في دنيا المؤامرات وحيدا دون أن يجد يد العون ..قد يكون ذلك حقيقيا ..و لكنني أرى في الأفق ، وراء الجبال العالية التي تحجب الكثير ، وخلف الغيوم السوداء ..شمسا بهية الطلعة ..شديدة الإشراق ..لكنني عرفت بعدها أنها ستغيب و قال لي أحدهم أنها ستشرق ثانية ..لتغيب مرة أخرى ....
قد تأخذنا الدنيا بكل ما فيها ، تفقدنا أعز ما لدينا و تمضي أيامنا و نعيش يعدها حياتنا ، قد ننسى يعد أن نمل ..و لكن سيأتي يوم لا محال تعاودنا فيه الذكرى فنحِنُ ..و نود العودة ..أمل العودة ساكن في قلوبنا و لن نطرحه خارجا ...المكان فلسطين ، الزمان غير مهم فالأحداث نفسها تتوالى و تتكرر ، نفس الأخيار بإحصائيات مختلفة ، في هذه الأرض الجريحة ..أين يوجد الكثير ممن قدر لهم أن ينالوا شرف الجهاد و الاستشهاد ..
قصي واحد من هؤلاء ، شاب في مقتبل العمر ، قوي البنية طويل القامة ، حسن الملامح ...
جاءت به العزيمة و الإيمان إلى فلسطين منذ كان يافعا و كأنه فتح عينيه في هذه الأرض ، لطالما كان حلمه أن يحرر الجولان و أن يستشهد على أرضه و لذلك رحل من بيته و هو بالكاد يبلغ العشرين من عمره ..رحل إلى الجولان تاركا أما تبكي عليه بحرقة و إخوة سرعان ما نسوه ...
و لكن كان قدره أن يدخل فلسطين بعد مدة بسيطة من ذهابه إلى الجولان ليستقر بها ، و لأنه اقتنع بداخله أن قضيته ليست الجولان وحده و لم تكن جنوب لبنان و ليست فلسطين و فقط .....بل لابد من تحرير كل الأراضي العربية و استرجاعها كما حررت سيناء من قبل ...
فها هو قصي مع جماعة من رفقاء الدرب في مواجهة مع العساكر الصهيونية ،حيث تجرى بينهم معركة صغيرة تحدث يوميا بين الشباب الفلسطيني و الجنود الصهاينة ، معركة غير متكافئة من الناحية المادية و لكنهم متفوقون معنويا لأن قلوبهم مملوءة بالإيمان ...
تنتهي هاته المواجهة بمطاردة الصهاينة للشباب ، مما يضطرهم إلى أن يتفرقوا ليذهب كل منهم في اتجاه
قصي : شباب لابد أن نتفرق حتى نشتتهم و نفقدهم تركيزهم ...
فيرد أحد رفاقه : و قد لا نلتقي ثانية ....
قصي : لا أعلم ..على العموم أنا ذاهب عند جماعة أبو محمد ..طبعا إذا كتب لي عمر آخر ..ممكن أن نلتقي هناك
شاب آخر : إذن هيا بنا لا داعي لإضاعة الوقت...
الشباب بصوت رجل واحد : محمد رسول الله ...
و هكذا يفترقون ..نعم كثيرا ما يحدث هذا ، فلا لقاء يدوم هناك و قد تعوّد قصي مثل غيره أن يفارق دائما ، سواء كان فراق بعده لقاء ، أو فراق لا لقاء بعده إلا في العالم الآخر ....
يجري قصي من مكان للآخر و من بيت للثاني حتى يشتت العساكر الصهيونية و يتأكد أنه قد ابتعد عنهم كثيرا و لن يلحقوا به ..و هنا يجلس على الأرض و هو يلهث من فرط التعب و يقول :
كم أتمنى لقياكم ثانية ..
و هنا يمد رأسه على صخرة و يبتسم بعدما تذكر أن هناك لقاء ينتظره ، لقاء أبو محمد ..كم يحب هذا الرجل ...
تبرق عينا قصي و يقول : كم اشتقت إليك ...
............
غير بعيد عن مكان قصي ، في إحدى المكاتب العسكرية ، البسيطة في تكلفتها العظيمة في إنجازاتها ، يجلس أبو محمد على كرسيه ، ببذلته العسكرية و نظرته الحادة ، القوية الدالة على شخصية منفردة من نوعها ، تيدو على ملامحه خطوط الزمن و ما يفعله بالمعذبين فيه ..
أبو محمد ذلك الرجل الناضج ، في منتصف الأربعينات من عمره ، حمل على عاتقه مهمة صعية فكان القائد الذي يوجه عناصره ، و الأب الذي يحتويهم و يسدي لهم النصائح ، متفهم ، واعي و حنون ، قليل الكلام ، صامت ، دائم التفكير ...
هو قائد فلسطيني محنك و ذو خبرة عسكرية واسعة ، انفرد و انزوى بفصيلته التي كونها بنفسه و درب المتطوعين فيها ، رافضا الانضمام إلى أي من الحركتين و مترفعا عن أي نزاع ، ليعلن الجهاد باسم الشعب الفلسطيني ، رغم أن بدايته كانت ضمن إحدى هاته الفصائل ...
و كان من بين أول المنضمين لأبو محمد ، قصي ..و لأن هذا الأخير يعشق الحرية حتى في طريقة كفاحه و جهاده فقد رحل عن أبو محمد لينطلق مع مجموعة من الرفاق و لكن شاءت الأقدار أن تأخذه ثانية هناك ...
في هذا الوقت أبو محمد مازال في مكتبه و في هاته الأثناء يدخل عليه باسل ، شاب فلسطيني ، نحيل الجسد ، ضعيف البنية و متعب الملامح ، فيبادر أبو محمد قائلا :
ألم يعد الشباب بعد من جولتهم الاستطلاعية ؟
فيرد باسل بلهجة متعبة : لا ليس بعد
يلاحظ أبو محمد تعب باسل فيسأله : هل أنت بخير ؟ هل ذهبت إلى المستشفى اليوم ؟
يطمئن باسل قائده : لا تخف أنا بخير ..و غدا موعدي في المستشفى ..
أبو محمد: و الدواء ؟
باسل : مازال هناك ما يكفيني أسبوعا كاملا ..
يقوم أبو محمد من مكانه و يقف أمام النافذة مزيلا عنها الستائر قائلا : لقد تأخر الشباب
.............................
مازال قصي يمشي و أخيرا وصل إلى مكان تواجد أبو محمد ، و هنا يحس برعشة في قلبه ، و حنين إلى هذا المكان الذي قضى فيه أياما لا تنسى ، يدخل المكتب و ينظر في أرجائه متأملا إلى أن يصل إلى باب الغرفة التي يوجد بها أو محمد فيقرع حينها الباب
باسل : سوف أرى من هناك ....
يخرج باسل و يعود بعد وقت بسيط و على وجهه علامات السرور قائلا : لن تصدق من هنا ..
أبو محمد بهدوئه المعتاد و دون أن يتحرك من مكانه : من هذا الذي أدخل البهجة إلى قلبك
باسل : و أكيد أنه سيدخلها إلى قلبك
يدخل قصي بخطوات ثابتة مركزا نظره على أبو محمد و الذي بمجرد أن يراه يبتسم بل و يبتهج
قصي : لا تتصور كم أنا مشتاق لرؤيتك
أبو محمد : أخيرا تذكرتنا ..و الله لو كنت أعرف لك طريق لما انتظرت حتى يأخذك الشوق إلينا فتعود ..و لكنك مثل الطيور المهاجرة لا نعرف لك مكان تستقر فيه
يقترب قصي من أبو محمد و يأخذه بالأحضان
يمر بعض الوقت كان فيه قصي يحكي لأبو محمد كل ما مر به و يصف له مشاعر الفخر التي كان يحس بها و هو يسمع أخبار انجازاتهم ، فقد غاب عنه لسنتين كانت كافية لتغيير أوضاع عديدة و مسرحا كافيا لأحداث كبيرة ......................
أما في الخارج فقد توقفت سيارة عسكرية ....