صفحة 1 من 2

زمرد

مرسل: 02 نوفمبر 2009, 10:54 pm
بواسطة rawan432
زمرد
ذات شتاء بارد قبعنا فى المنزل الريفى خاصتنا فى احدى قرى الفيوم, كنا ننتظر على اتون الجمر ولادة المهر الصغير بعد طول انتظار وقد جلست انا وسناء شقيقتى فى الركن فى هدوء وترقب , وقد تصبب العرق غزيراً على جبين أبى الطبيب البيطرى ومساعده يشد ازره ..... بينما وقفت الفرس فجأة ليتدلى منها بعض الماء ثم تستقلى مرة أخرى فى سكون تارة وانتفاضات متلاحقة تارة أخرى تثير العشب الجاف اسفلها ونحن ننظر فى أثارة وقد غاب الوسن عن جفوننا ثم تدلت منها أولى بشائر الحياة وظهر المهر الصغير وقد أحتواه شبه كيس ابيض اللون حينئذ تعالت صيحات الفرح من أبى ومساعده وربت على على جيد الفرس فى حنان.... لم يفوقه سوى حنان الفرس على مهرها الصغير وهى تلعقه بأهتمام ثم تستلقى فى خمول وهى تنظر نظرة أخيرة على وليدها وقد طارت روحها شعاعاً وأنتفض الجسد الأنتفاضة الأخيرة.
أتكئ أبى على قدميه وهو يمسك برأس الآم ويصرخ فى مساعدة أن يغرس حقنة تنشيطية بها لكن هيهات فقد استجمعت المسكينة أخر أنفاس الحياة لتهب للصغير حياة أخرى .
كانت المرة الأولى التى يبكى فيها أبى أمامنا......... وقد أرتعنا أيما أرتياع وجرينا الى أمنا وقد وقفت بملابس النوم على مدخل باب الاصطبل فهى كانت نائمة وقد أيقظنا أبى فى هدوء لكى نحضر هذه الولادة وبدلا من زجرنا شعرت بالخطب وربتت علينا بحنان وهى تمسك بذراع أبى وتقول أنهض عزيزى أن للك أن ترتاح قليلاً.
كانت عيناه حمروان من البكاء المر وقد ألمه أن يترك الفرس هكذا ملقاة فازاح يداها فى رفق وهو ينظر فى أتجاهنا ويقول أذهبى بالطفلتين الأن وماهى إلا فينة وأنا وسناء نرتمى فى احضا ن والدنا ونبكى لبكائه وقد أرتعشت أمى للموقف بينما أنهمك المساعد فى المهر الصغير الذى نسينا أمره تماماً.
كان الصبح بدأ يتنفس وبدأت السماء الزرقاء وقد تناثرت على جبينها لوحات من السحب البيضاء الداكنة تمضى بلهو من مكان لاخر تطاردها أشعة الشمس فى قسوة وتششت شملها ولم تستطع عيوننا الناعسة أن تقف أمام جبروت الشمس ومضينا مع أمنا لنغفو فى تعب ولم أستيقظ سوى فى الظهيرة ورائحة الطعام تداعب انفى فنظرت تجاه سرير سناء ولم أجدها ..حينئذ تذكرت قصة المهر وقصة الآمس الحزينة .. يومها كنت فى نحو العاشرة وسناء فى الثانية عشر وقد وقفت تساعد أمى فى وضع الأطباق وهى تنادى سما أيتها الكسولة أستيقظى ....فغسلت يدى ووجهى سريعاً وأرتديت سروالى البنى المفضل وكنزة خضراء أشتراها أبى لى العام الماضى من القاهرة بثمن باهظ رغم نقوده القليلة التى ضاع اغلبها على البيت الريفى وتربية الجياد وقد باع هذا العام أخر جوادين يملكهما لسداد الديون المتراكمة ولم يبقى سوى" سلوى" الفرس الآثيرة لديه.. ورفض بيعها بكل الطرق وقد غضب أيما غضب حينما علم بحملها فهى لم تكن تحتمل الولادة وقد قضت نحبها وها هو يجلس باكتئاب على المائدة يلهو بحبيات الأرز فى طبقه وأمى لآ تعلق بل أكلت بكل هدوء وهى تشير لى:-
أجلسى يا سما واعطتنى طبقاً مليئا بالطعام وقد أزحته جانباً وأنا أنظر لأمى فى وجل لأنى أعلم أنها أتفقت الصيف الماضى مع مساعد أبى على تلقيح الفرس وحذرتنى بقطع رقبتى أن تفوهت بكلمة. ...وها هى تجلس بكل هدوء وتأكل ثم تقول دون أن تنظر لأحد
"الطعام جيد" , تمتم ابى وهو ينهض:-
لا شهية لى وسار باتجاه الباب وانا اقفز فى سرعة لألحق به وقد أخذت بعض من أفخاذ الدجاج ورغيفى خبز وسط صيحة أمى وسخطها وهى تردف أنت أبنه أبيك أيتها الفتاة الصبى .
وهى على حق فأنا أشبه كثيراً بجسده النحيل وشعره البنى وطبعه الحنون بيد أنى احمل الكثير من النمش على وجهى , كان أبى بطلى الآثير وأنا ارقبه يحنو على المهر الصغير وقد نمت ملامحه عن فرحه ممزوجة بالألم ثم انقلب ملامحه لآهتمام حقيقى وهو يقول شئ عجيب حقا..... وقد جلست بجانبه على العشب والفرس الصغير ينهض بقوائمه فى ضعف ويتقبل من ابى زجاجة حليب بكل جوع وقد أرتعش جسده فى حبور وبرقت عيناه التى اثارت أبى بلونهما الأخضر الزمردى وهويمسح جسد الفرس وقد أنتعش كلاهما من جديد وابى يقول هذه معجزة يا سما معجزة أن يكون لفرس عينان خضروان.......... وهكذا اطلقنا عليه أسم زمرد ونحن نلتهم افخاذ الدجاج بمرح.
كبر زمرد وخلال شهروصار يملاء البيت الريفى صخباً... ومع نموه زادت المشاكل بين أبى وأمى التى رأت فى بيع زمرد حل لمشاكلنا ورفض أبى فى أصرار ..وأن وظيفته تدر عائد معقول ولكن أسرافها وسفرها الكثير هو ما يثقل كاهله وكان كلامه هو القشة التى قصمت ظهر البعير فلم تمضى ساعة الا وقد وشحنت كل شئ فى سيارة وغادرت أبى ونحن برفقتها دون حتى أن تودعه , وحتى دون أن تسمح لنا بوداعه وقد بكت سناء كثيراً وهى ترجوها أن تعيدنا للبيت وأمى تردف أنكما الأثنتان ابنتا أبيكما......كلما تذكرت هذه الفترة المريرة بين تعنت أمى واسرتها وتوسلات ابى ابكى كثيرا فقد غلقت علينا الحجرات وأنهمرت دموعنا ونحن نرقبه من خلف النافذة وهو يمضى كسيراً فى كل مرة يأتى فيها, وقد حصلت أمى على الطلاق وتزوجت رجلاً ثرياً يناسب طموحها ولم يياس ابى ابداً حتى استعدانا وقد عدنا لبيتنا الريفى ولشدة دهشتنا وجدنا الرخاء يعم فيه ولم نجد زمرد فعلمنا أن أبى قد باعه من أجلنا.
ولم تكن هذه نهاية قصتنا فذات مساء ونحن نجلس فى حديقة المنزل الريفى فاذا بسيارة شحن كبيرة تتقدمها سيارة فارهة وقد هبط منها رجل وقور تقدم أبى بتجاهه... ثم هرع لسيارة الشحن وهو يصعدها والفرس يداعبه فى جنون بعد أن رفض الطعام وهزل كثيراً ولم يأكل إلا من يدى أبى وسط فرحتنا أنا وسناء والرجل الوقور يرقبنا فى هدوء وبعد ساعات جلس مع أبى الذى أخبره أن يسطيع أن يرد جزء من ثمن الفرس وسيقسط الباقى ....إلا أن الرجل قاطعه وقال أنا لن أبيعه ولكن سأبيقه معك وغير ذلك سنبدأ فى أنشاء مزرعة كبيرة هنا للخيول وأردف وهو يقول هذا أذا كنت تقبلنى شريكاً .......كانت هذه الليلة أجمل ليالينا وقد عاد زمرد لنا مرة أخرى وماهى الا شهور قليلة وتدب الحياة فى المزرعة التى ضمت أراضى إليها أعطت للفرس الآصيل مكانا اوفر للهو والركض وأعطت لأبى الحياة مرة أخرى .........وفى ليلة شتوية أخرى كنا نقف بجوار أبى نشد ازره فى توليد الفرس الجديدة وليفة زمرد, وكانت فرس شابة قوية ولم تمض لحظات إلا وكانت تمسح جسد صغيرها بكل همة , بينما وقفت أمنا على الباب وقد أتت دون ميعاد تنظر إلينا بعيون خاوية وقد خلا أصبعها من محبس الزواج الجديد وقد خطت بأتجاهنا ولكن أبى لم يسطع أيجاد لها مكان بجانبنا وأن حلت علينا مرات ضيفة عزيزة, تأتى لتنظر مبهورة إلى الفرس الذهبى بعيونه الزمردية الخضراء وقد تطاير شعره يصافح عنان السماء, بنجومها الكبيرة اللامعة وتتساءل وهى تسمح دموع رقراقة هل يصلح الزمن الآخطاء.

Re: زمرد

مرسل: 03 نوفمبر 2009, 10:57 pm
بواسطة donnabella
تجدد أسلوبك و موضوعاتك يثير الدهشة و الإعجاب معا
أحببت القصة و رأيت فيها خيالا حالما جعلني تمنيت لو عشت أنا في المنزل الريفي و ربت أنا علي ظهر الخيل
وليت كل الأخطاء يداويها الزمن
أحييكِ happy11 happy11 happy11

Re: زمرد

مرسل: 03 نوفمبر 2009, 11:11 pm
بواسطة Ghadat2009
روان ....أيتها المبدعة المتألقة :)

رسمت ببراعة لوحة خلابة بقصتك ذات الشخصيات النابضة بالحياة بشكل مبهر

استمتعت كثيرا بقصتك الرائعة ( رغم وجود بعض الملاحظات الإملائية و اللغوية مع السرعة في الكتابة )

و أعجبتني كثيرا الحكمة أو المغزى الذي ظهر عبر الأحداث المشوقة



إلى الأمام دائما يا صديقتي الجميلة flower1 flower1 flower1

Re: زمرد

مرسل: 04 نوفمبر 2009, 1:37 am
بواسطة الأمير الحائر
من الجميل جداً ان تجعلك قصة تحب بطلها..و خاصة عندما يكون هذا البطل جواد و ليس إنسان... :)
ساحاول أن أبتعد قليلاً فى تعليقى عن أسس القصة القصيرة الإعتيادية.. لأن أسلوب القصة هنا يشبه أسلوب المذكرات الشخصية نوعا ما لكن دون أن تأخذ حقاً شكل مذكرات شخصية أو كما سيتخيلها أحد و كأنها كانت رواية و تم تحويلها لقصة..و خاصة حين حدثت انتقالات زمنية كبيرة بين الأحداث..لكن ما ميز القصة رغم هذه النقلات الزمنية السريعة هو سلاسة أحداث القصة و تسلسلها فى شكل مشوق..و المشهد الأول هو فى رأيى أقوى مشاهد العمل..فقد وصفتى المشهد بدقة دون تفصيل..و ركزتى على مشاعر الأشخاص فى العمل بشكل اكبر فى الجزء الأول اكثر من باقى القصة التى كانت بحكم الاحداث تسرد القصة من جانب الراوى فقط دون سرد المشاعر و التركيز عليها..أيضاً مشهد إستيقاظ الأطفال و تناول الطعام بعدة كان رائعاً و عبر عن مشاعر كل شخوص القصة تقريباً
نقطة ميزت القصة..وهى اللقطات التى تحدثت فيها بالألوان..لقطة ملابس الفتاة الصغيرة..و لقطة لون الفرس فى النهاية..إلى جانب لون عيني الجواد المبنى عليها جوهر القصة و روعتها..و إستخدام هذه الألوان لتجميل القصة تم بشكل مميز فعلاً.
الأخطاء الإملائية بالطبع تحتاج للمراجعة..
بشكل عام و بأجواء القصة و الفكرة..قصة متميزة جدا أحييكِ عليها :)

Re: زمرد

مرسل: 07 نوفمبر 2009, 11:20 pm
بواسطة rawan432
الأمير الحائر كتب:من الجميل جداً ان تجعلك قصة تحب بطلها..و خاصة عندما يكون هذا البطل جواد و ليس إنسان... :)
ساحاول أن أبتعد قليلاً فى تعليقى عن أسس القصة القصيرة الإعتيادية.. لأن أسلوب القصة هنا يشبه أسلوب المذكرات الشخصية نوعا ما لكن دون أن تأخذ حقاً شكل مذكرات شخصية أو كما سيتخيلها أحد و كأنها كانت رواية و تم تحويلها لقصة..و خاصة حين حدثت انتقالات زمنية كبيرة بين الأحداث..لكن ما ميز القصة رغم هذه النقلات الزمنية السريعة هو سلاسة أحداث القصة و تسلسلها فى شكل مشوق..و المشهد الأول هو فى رأيى أقوى مشاهد العمل..فقد وصفتى المشهد بدقة دون تفصيل..و ركزتى على مشاعر الأشخاص فى العمل بشكل اكبر فى الجزء الأول اكثر من باقى القصة التى كانت بحكم الاحداث تسرد القصة من جانب الراوى فقط دون سرد المشاعر و التركيز عليها..أيضاً مشهد إستيقاظ الأطفال و تناول الطعام بعدة كان رائعاً و عبر عن مشاعر كل شخوص القصة تقريباً
نقطة ميزت القصة..وهى اللقطات التى تحدثت فيها بالألوان..لقطة ملابس الفتاة الصغيرة..و لقطة لون الفرس فى النهاية..إلى جانب لون عيني الجواد المبنى عليها جوهر القصة و روعتها..و إستخدام هذه الألوان لتجميل القصة تم بشكل مميز فعلاً.
الأخطاء الإملائية بالطبع تحتاج للمراجعة..
بشكل عام و بأجواء القصة و الفكرة..قصة متميزة جدا أحييكِ عليها :)

شكرا لتحليك الاكثر من رائع

هى بالطبع تاخذ شكل الرواية الصغيرة

اما الاخطاء الاملائية فحدث ولا حرج لان الكاتبة جد مشغولة بالعمل فأكتب دون مراجعة وهى حالة تستحق الأنتباه

لكك مودتىflower1

Re: زمرد

مرسل: 19 فبراير 2010, 2:26 am
بواسطة rawan432
donnabella كتب:تجدد أسلوبك و موضوعاتك يثير الدهشة و الإعجاب معا
أحببت القصة و رأيت فيها خيالا حالما جعلني تمنيت لو عشت أنا في المنزل الريفي و ربت أنا علي ظهر الخيل
وليت كل الأخطاء يداويها الزمن
أحييكِ happy11 happy11 happy11

دونا انا ايضا احب الخيال الواسع والبيوت الريفية على هذه الشاكلة زرتها كثيرا وهى منتشرة فى مصر فى وخاصة فى اليوم وبعض القرى النائية فىم حافظة الجيزة هناك من الاخطاء لايدوايها الزمن لانها حاسمة تقتلع احاسينا ومشاعرنا فتترك الفراغ بداخلنا

Re: زمرد

مرسل: 19 فبراير 2010, 2:27 am
بواسطة rawan432
flower1
Ghadat2009 كتب:روان ....أيتها المبدعة المتألقة :)

رسمت ببراعة لوحة خلابة بقصتك ذات الشخصيات النابضة بالحياة بشكل مبهر

استمتعت كثيرا بقصتك الرائعة ( رغم وجود بعض الملاحظات الإملائية و اللغوية مع السرعة في الكتابة )

و أعجبتني كثيرا الحكمة أو المغزى الذي ظهر عبر الأحداث المشوقة



إلى الأمام دائما يا صديقتي الجميلة flower1 flower1 flower1


غادة حبيتى الرائعة ماهى اخبارك
افتقدك كثيرا

Re: زمرد

مرسل: 19 فبراير 2010, 6:00 pm
بواسطة dr_hope
قصة متميّزة و أسلوب بديع في السرد

استمتعت بقراءة عملك

و إلى الأمام إن شاء الله flower1

Re: زمرد

مرسل: 19 فبراير 2010, 7:25 pm
بواسطة dr asmaa
عزيزتى أسلوبك رائع والفكرة جديدة وغير متكررة happy11 happy11 happy11

أستطعتى بعمق وبساطة تأخذينا من دنيتنا المليئة بالضوضاء والزحمة

لنعيش فى دنيا الهدوء ذات الطابع الريفى great1 great1

تحياتى لك

Re: زمرد

مرسل: 11 إبريل 2010, 6:53 pm
بواسطة rawan432
dr asmaa كتب:عزيزتى أسلوبك رائع والفكرة جديدة وغير متكررة happy11 happy11 happy11

أستطعتى بعمق وبساطة تأخذينا من دنيتنا المليئة بالضوضاء والزحمة

لنعيش فى دنيا الهدوء ذات الطابع الريفى great1 great1

تحياتى لك

شكرا لتحليلك وكلماتك الدافئة