إن العيون و المرايا من حولنا ..وجودهم يستلزم الحرص و الحذر في كل ما نقول و نفعل ...و المسؤولية تقع حتما على كل من لديه الإمكانية في إرسال الرسائل ..أيا كان نوعها ....فلسنا وحدنا هنا ...
.أليس كذلك ؟؟؟
*********
في ليلة من ليالي الشتاء قارسة البرودة ...تلك الليالي التي يلزم فيها المرء بيته الدافيء متدثرا بالثقيل من الملابس و ربما يقترب كثيرا من مدفأة يكاد يحتضنها طلبا للدفء
في ركن من بهو ذلك المنزل القديم ..جلس ( حسن ) – ذلك الشاب الوسيم فارع الطول – يمارس هوايته المفضلة : قراءة قصص الرعب و الخيال العلمي ...كان وحده بالمنزل فالجميع في زيارة إلى العم ( جودت ) و قد فضّل البقاء وحده كعهده دائما ...
قاربت الساعة منتصف الليل ..لقد تإخروا كثيرا ....
" ها قد وصلوا ! "
تمتم حسن في نوع من الضيق بعد سماعه لجرس الباب المتواصل
" أليس معهم المفتاح ؟ دائما ما يستسهلون دق الجرس ! "
سارع في خطواته إلى الباب تحت إلحاح صوت الجرس المزعج الذي حطّم تماما السكون الذي كان ينعم به منذ لحظات ...
" حسنا ! هذه آخر مرة أفتح الباب لكم ! كفوا عن دق الجـــ .......!!!! "
بتر عبارته ...هل تسرع في فتح الباب قبل التأكد من الطارق ؟
ذلك الواقف أمام الباب ...يلبس معطف مطرٍ رمادي طويل ..تتساقط منه قطرات الماء ...كما تتساقط من قبعته الكبيرة التي تغطي جزءا من وجهه الذي تناثرت عليه خصلات من شعر بني باهت مبتل ...
ما إن فتح الباب ...حتى رفع الواقف وجهه قليلا إليه ...و قال بصوت بدا كالفحيح :
" كوبا من الماء ! أنا ...ظمآن جدا ! ....و أرغب في كوب من الماء ...لو سمحت ! "
أحس " حسن " بضربات قلبه تتسارع في خوف و قلق و حيرة ..و رغب بشدة في غلق الباب بكل أقفاله الست ...بل و غلق كل النوافذ ....و الجري إلى سريره حيث يلف نفسه بالبطاطين...
لكنه ازدرد لعابه الذي كاد يجف و جاهد نفسه ليستطيع الكلام " لـ ..لحظة يا ســ ..سيدي !! "
و همّ بإغلاق الباب ... لكنه فوجيء بيد الرجل تحول بقوة دون ذلك ...فارتجف في ذعر و هذه المرة نظر إلى عينيه ...كانت نيران الغضب و الشر تتطاير من عينيه الواسعتين المتورمتين في احمرار ...و بدا و :ان له حاجبا واحدا كثيفا فوق عينيه ممتدا بعرض جبهته !!
زمجر الرجل في غضب " ستجلب الماء دون أن ...تغلق الباب ...أفهمت ؟؟ "
حسن يكاد يبكي ...فبرغم طوله ...هو نحيف جدا ..لن يصمد في أي قتال !
ماذا يفعل إذن ؟؟
بعد لحظة ..قرر غلق الباب بسرعة و بكل ما أوتي من قوة ...حاول ...لكن الرجل دفعه بقوة و غضب صارخا : " لا يجب أن تتحداني !"
ارتجف حسن رعبا ...و جرى مسرعا إلى النافذة ليستنجد بأي أحد ...و لكن ...
دخل و راءه هذا الرجل ذي الأظافر الطويلة المتسخة ... و الحذاء الشبه ممزق ...
و أخذ يقترب من حسن ...الذي ظل يصرخ بأعلى صوته صراخا ضاع في أصوات الرعد و المطر ...
تم الأمر بسرعة ... حسن أصبح ملقى على الأرض ... بنبضِ ضعيف يكاد يختفي
بينما علت ضحكة شيطانية هيستيرية مفزعة ...تلاها صمت كئيب ....
و فجأة ..... علا صوت من بعيد ........